top of page
Search
Writer's pictureIllidan Stormrage

الفطرة الحيوانية: شبكات التواصل الاجتماعى فى الطبيعة

Updated: Oct 9

in a routing program called Ant Colony Optimization, virtual ants lay pheromone trails to direct the flow of data packets without cumbersome central planning…Now, reversing roles, a handful of entomologists are cribbing from the computer scientists. They deconstruct many behavioral patterns of social insects and show how these operate much like computer algorithms. "'It's not a superficial resemblance," says Tom Seeley, who studies bee communication at Cornell University in Ithaca, New York…To tackle such problems, researchers are redefining their work as a search for evolution 's source code…By thinking like computer programmers and scrutinizing the actions of individual ants, scientists have revealed behavioral rules that govern group problem solving, just as assemblies of simple circuits can perform complex calculations…The original microchips. From the brutish Eciton burchelli (right) to the diminutive Leptothorax albipennis (above), ant problem solving resembles the inner workings of computer circuitry

"Getting the Behavior of Social Insects to Compute: By envisioning ant colonies as computer networks, entomologists have begun to unravel complex behavioral patterns" SCIENCE VOL 295 29 MARCH 2002


برنامج ادارة شبكات قائم على ايجاد أفضل طريق لارسال المعلومات مبنى على طريقة النمل فى ادارة شبكة الطرق.. يقوم مختصو تكنولوجيا المعلومات باستخدام برامج تحاكى تصرفات النمل لتحسين أداء شبكات الكمبيوتر فى نقل البيانات و على الجهة الأخرى يقوم علماء الحشرات بدراسة سلوكيات النمل عن طريق مقارنتها ببرامج الكميوتر لدرجة أنهم بشبهون ما يفعلونه بمحاولة العثور على الكود [برنامج الكمبيوتر] الخاص بالتطور. انه ليس تشابه سطحى بل ان أفراد النمل و هم يحلون المشكلة يتفاعلون تماما كما تتفاعل الدوائر الالكترونية للقيام بحسابات معقدة فى قلب جهاز الكمبيوتر

-من مقال فى مجلة Science العلمية


أرجو هنا أن تلاحظ توصيف البرنامج بدقة لأنه سيساعدك على ادراك واحدة من أهم الخدع و عمليات النصب الفكرى التى تقوم بها الطبيعانية بشكل عام و نظرية التطور بشكل خاص: without cumbersome central planning البرنامج يعمل عن طريق توجيه الوحدات الصغرى التى تحاكى النمل وفق مجموعة من القواعد ثم انتظار الناتج عن اجمالى سلوكها بدون وجود خطة مركزية مسبقة لكيفية نقل البيانات. التطورى دائما يحاول أن يوحى لك أن وجود أى سلوك نابع من مجموعة من القواعد الصغرى على طريقة أسفل الى أعلى bottom up دون خطة مركزية سابقة من أعلى الى أسفل Top Down معناه أنه سلوك غير مصمم و بالتأكيد أتى عن طريق أخطاء نسخ الحمض النووى و أنه انبثق من أجزاءه و مكوناتهemerged/emergent بدون هدف أو غاية مسبقة و هذا كمن يقول لك أن المبانى تنبثق من الطوب بسبب وجود الأسمنت دون أن يكون هناك مخطط أو أن الكلمات تنبثق من الحروف و الجمل تنبثق من الكلمات و الروايات تنبثق من الجمل بسبب وجود قواعد النحو بدون أى تخطيط او تصميم أو غائية. طبعا هذا كلام فارغ من جهة و يتجاهل مصدر الأسمنت و فواعد النحو من جهة أخرى و ها نحن ذا نرى برامج كمبيوتر متطورة صممها مهندسون بغاية و هدف تعمل بهذه الطريقة من أسفل الى أعلى.


و طبعا كما نلاحظ هذا الهوس التطورى باطلاق تلك التفسيرات العجيبة ليس نابعا من البيانات بل هو فلسفة عشوائية يتم فرضها فرضا على البيانات فماذا لو عرفنا أن وسائل التواصل تمتد الى ما هو أبعد من ذلك – الى صناعة شبكات تواصل كاملة بين مجتمعات من الكائنات على غرار وسائل التواصل الاجتماعى التى صنعها البشر بالبرمجة و التصميم و ليس بأخطاء النسخ.


الحقيقة أنه-و بعكس ما هو شائع- وجود ما يسمى اصطلاحا بالكائنات الفائقة ليس قاصرا على الحشرات بل هناك جماعات حية أخرى تحكم بعض سلوكياتها برامج كلية حتى و ان كانت تتصرف بشكل فردى عادة كالطيور وفيلة البحر المذكورة فى مقال سابق و حتى البكتيريا لديها نظام تواصل و تنسيق للعمل الجماعى يسمى quorum sensing و هو نظام تواصل كيميائى يمكن استخدامه لاتخاذ قرارات جماعية على مستوى المستعمرة كمواصلة أو ايقاف النمو. ان النباتات و الأشجار برغم كونها كائنات بلا جهاز عصبى و مخ أصلا الا أنها هى الأخرى قادرة على الاتحاد لتتحول الرقعة الخضراء أو الغابة بالكامل الى كائن فائق يتبادل الرسائل عن طريق الفيرمونات و الاشارات الكيميائية أو عن طريق شبكة من الفطريات التى ترتبط جذور هذه النباتات ببعضها تحت الأرض تسمى The wood wide web على غرار شبكة الانترنت World Wide Web بل و أحيانا عن طريق الاشارات الصوتية و من خلال وسائل الاتصال هذه يمكن تحقيق التعاون و تبادل المواد الضرورية و دعم الاخرين أو حتى تحذيرهم عند التعرض لهجمات من حشرات أو نقص فى الغذاء



https://www.youtube.com/watch?v=yWOqeyPIVRo


Researchers are unearthing evidence that, far from being unresponsive and uncommunicative organisms, plants engage in regular conversation. In addition to warning neighbors of herbivore attacks, they alert each other to threatening pathogens and impending droughts, and even recognize kin, continually adapting to the information they receive from plants growing around them. Moreover, plants can “talk” in several different ways: via airborne chemicals, soluble compounds exchanged by roots and networks of threadlike fungi, and perhaps even ultrasonic sounds. Plants, it seems, have a social life that scientists are just beginning to understand.

DAN COSSINS, “PLANT TALK” AT THE SCIENTIST


The implications of the Wood Wide Web far exceed this basic exchange of goods between plant and fungi, however. The fungal network also allows plants to distribute resources—sugar, nitrogen, and phosphorus—between one another. A dying tree might divest itself of its resources to the benefit of the community, for example, or a young seedling in a heavily shaded understory might be supported with extra resources by its stronger neighbors. Even more remarkably, the network also allows plants to send one another warnings. A plant under attack from aphids can indicate to a nearby plant that it should raise its defensive response before the aphids reach it. It has been known for some time that plants communicate above ground in comparable ways, by means of airborne hormones. But such warnings are more precise in terms of source and recipient when sent by means of the myco-net. The revelation of the Wood Wide Web’s existence, and the increased understanding of its functions, raises big questions—about where species begin and end; about whether a forest might be better imagined as a single superorganism, rather than a grouping of independent individualistic ones; and about what trading, sharing, or even friendship might mean among plants. “Whenever I need to explain my research to someone quickly, I just tell them I work on the social networks of plants,” Sheldrake told me.

"The Secrets of the Wood Wide Web" The New Yorker (August 7, 2016)

Bean plants in close proximity to each other seem to communicate if one is under attack. Bean plants connected by symbiotic fungus will raise their chemical defenses if a compatriot is besieged by aphids.

ROSS POMEROY, “DO PLANTS BEHAVE LIKE ANIMALS?” AT REALCLEARSCIENCE


F Wohlleben, The Hidden Life of Trees: What They Feel, How They Communicate — Discoveries From a Secret World, (2018) pp. 288


Z Babikova et al., Underground signals carried through common mycelial networks warn neighbouring plants of aphid attack, Ecology Letters, Vol.16, No.7, pp.835–843, 2013.


S W Simard et al., Mycorrhizal networks: Mechanisms, ecology and modelling, Fungal Biol. Rev., Vol.26, No.1, pp.39–60, 2012.


C Rhodes, The whispering world of plants: The wood wide web, Science Progress, Vol.100, No.3, pp.331–337, 2017.


Itzhak Khait et al., "Sounds emitted by plants under stress are airborne and informative" Cell VOLUME 186, ISSUE 7, P1328-1336.E10, MARCH 30, 2023

"Stressed plants ‘cry’ — and some animals can probably hear them" Nature (30 March 2023)


يمكن الاستماع الى الملف الصوتى الذى يحمل الاشارات الصوتية التى تستخدمها النباتات بسهولة فى المصدر الأخير و هى شبيهة بشفرة مورس/نقرات التلغراف مع ملاحظة أن بحثا اخر فى نفس المصدر قد أشار الى قدرة النباتات على التقاط الأصوات/الذبذبات بشكل ما و التفاعل معها. و الطريف أنه و كما تذكر المقالة الأولى فان هذه الفرضيات عندما ظهرت قوبلت برفض شديد لأنها لا تتفق مع نظرية التطور evolutionarily unstable و لكن لما أتت أبحاث أكثر تؤكدها قامت نظرية التطور-كالعادة-بسحب كلامها القديم و تأليف قصص جديدة للتظاهر بأن هذه الظواهر تتفق تماما مع نظرية التطور.


و نعود الى الحشرات الاجتماعية لنرى أن من أعاجيب التواصل لدى النحل القدرة على استخدام حواف مسدسات الشمع كخطوط لنقل الاشارات فيما أسماه البعض الباحثين comb wide web أيضا على غرار اسم شبكة الانترنت world wide web و قد وجد الباحثون أن نطاق الذبذبات الذى تنقله مادة البناء هو نفسه-يا محاسن الصدف- نطاق الذبذبات الذى يصدره النحل لدرجة أن وصف أحد أكبر دارسى النحل حواف مسدسات الخلية بأنها شبكة التليفونات الخاصة بالنحل


Honeybees, which control the construction of their combs in the smallest detail, seemingly lay their telephone network such that it conducts their own communication frequencies best of all. The properties of the material, architecture of the comb, and behavior of the bees are perfectly matched to one another.

Jurgen Tutz “The Buzz about bees: Biology of a superorganism” (2008): 187


ربما يفهم النحل علوم الصوتيات و خصائص المواد ليصنع مبنى ينقل ذبذبات الاتصالات الخاصة به...أو بالتأكيد هو الانتخاب الطبيعى: لقد قام النحل بتجربة أشياء كثيرة حتى صنع هذه الشبكة أو ربما قام بتطوير ذبذبات مختلفة كثيرة حتى ضبطت احداها بالصدفة مع مسدسات شمع العسل أو ربما ذبذبة كان يستخدمها فى شئ اخر تصادف أنها مناسبة وتصادف أنها تنتقل عبر الشمع جيدا فتم دمجها/تجنيدها coopted/recruited فى نظام الاتصال – أو أى مسخرة أخرى نهرب بها من دلالات البيانات.


و هذه الشبكة يتم تعديلها حسب الحاجة فاذا تعرضت الخلية لتقلبات فى درجات الحرارة أثرت على مدى تماسك الشمع و قدرته على نقل الذبذبات يقوم النحل باضافة صمغ خاص الى الحواف لاعادتها الى الحالة المثالية لنقل الذبذبات. ليس هذا فحسب و لكن عندما يضع بعض مربى النحل المسدسات الشمعيات فى أطر خشبية (و هو ما يؤثر سلبا على نقل الذبذبات) يقوم النحل بتعديل التصميم لترك مسافات فارغة بين الاطار الخشبى و بين غرفة تبادل المعلومات حتى لا يتأثر انتقال الذبذبات سلبا. كل هذا يوضح أن المسألة ليست مجرد خصائص المادة (و ان كنا نقر بأهميتها و بفشل التطور فى تفسيرها) و لكن أيضا برنامج هندسة اتصالات متكامل يحكم سلوك النحل و يجعله يعرف كيف يعدل شبكة الاتصالات التى بناها حسب الظروف



تم أيضا اكتشاف حالة شبيهة فى النمل اذ يقوم النمل بتنسيق مجموعاته بطريقة شبيهة ببروتوكولات ارسال المعلومات عبر شبكة الانترنت لتحديد الطرق و الاتجاهات الأفضل و كميات الأفراد المرسلة و متى يتم ايقاف الارسال فى اتجاه/طريق معين بسبب ظروف بيئية معينة (أخطار/عقبات/عوائد منخفضة من مصدر الغذاء/درجات حرارة مرتفعة تجعل فقد الماء من أجساد الأفراد أثناء البحث أكبر من المحتوى فى البذور التى يعودون بها...الخ) و تعمل المنظومة بطريقة تؤدى الى تقليل كلفة العمليات و جعل المنظومة قابلة للتوسع بسهولة scalable و قادرة على تفادى المشاكل التى قد تحدث فى بعض أجزائها دون أن تنهار robust وسريعة الاستجابة للمتغيرات و غيرها من المبادئ الهندسية لدرجة أن سماها الباحثون شبكة انترنت النمل anternet و يقول فريق البحث المؤلف من بروفيسور أحياء و اخر علوم حاسب أن بروتوكول البحث المستخدم مطابق لبروتوكول TCP المستخدم فى شبكات الكمبيوتر و أنه مشابه لما يتم استخدامه فى الأنظمة الضخمة الموزعة المصممة و أن دراسته أكثر ربما تثمر تطبيقات فى خوارزميات الشبكات والتى طبعا تم "تصميمها" من قبل خبراء الشبكات لضمان حالة أفضل من نقل المعلومات. يتفق هذا مع توصيف أساليب البحث فى مستعمرات الحشرات على أنها برنامج اتخاذ قرار يوازن بين عوامل متعددة من الحصول على الطعام و سرعة العملية و مدى أمانها و تكلفتها


The algorithm the ants were using to discover how much food there is available is essentially the same as that used in the Transmission Control Protocol...they found that the TCP-influenced algorithm almost exactly matched the ant behavior found in Gordon's experiments. Ants have discovered an algorithm that we know well, and they've been doing it for millions of years...Computationally speaking, each ant has limited capabilities, but the collective can perform complex tasks. "So ant algorithms have to be simple, distributed and scalable – the very qualities that we need in large engineered distributed systems," she said. "I think as we start understanding more about how species of ants regulate their behavior, we'll find many more useful applications for network algorithms."

Stanford researchers discover the 'anternet', August 2012


"Scientists found that ants and other natural systems use optimization algorithms similar to those used by engineered systems, including the Internet. These algorithms invest incrementally more resources as long as signs are encouraging but pull back quickly at the first sign of trouble. The systems are designed to be robust, allowing for portions to fail without harming the entire system. Understanding how these algorithms work in the real world may help solve engineering problems, whereas engineered systems may offer clues to understanding the behavior of ants, cells, and other natural systems."

"Navlakha and Suen note that the system works even if individual ants get lost and parallels a particular type of “additive-increase/multiplicative-decrease algorithm” used on the Internet."

"Deciphering algorithms used by ants and the Internet" – ScienceDaily(March 1, 2022)


Taken together, lab and field experiments suggest that foraging decisions are controlled by a complex combination of environmental and motivational factors. Maximizing energy gain from feeding must be balanced against risks associated with unpredictable outcomes

Olmstead and Kuhlmeier, Comparative Cognition, Cambridge, Cambridge University Press, 2015.


used to achieve multiple goals, including efficient allocation of available resources, the fair or competitive splitting of those resources, minimization of response latency, and the ability to detect feedback failures

Jonathan Y. Suen, Saket Navlakha. A feedback control principle common to several biological and engineered systems. Journal of The Royal Society Interface, 2022; 19 (188)


Like a distributed demand-response network, the aggregated responses of each ant to local conditions generates the outcome for the whole system, without any centralized direction or control.

Deborah Gordon "What Do Ants Know That We Don't?" Wired (2013)


Balaji Prabhakar, Katherine N. Dektar, Deborah M. Gordon "The Regulation of Ant Colony Foraging Activity without Spatial Information" PLoS Computational Biology (August, 2012)


لاحظ أن الكثير من العوامل تحتاج الى ادراك عام و عمليات حسابية أخرى فكيف للنمل أن يعرف مثلا أن درجة الحرارة تخطت القدر الذى سيجعل خروجه للبحث عن الطعام اهدارا اجماليا للموارد المائية مقارنة بما سيحصل عليه من البذور التى سيجمعها (كما فى المصادر الأخيرة) بدون معرفة بنسب التبخر و علاقتها بدرجات الحرارة و نسب الماء فى البذور و معدل استهلاك الفرد و عملية حسابية لاتخاذ القرار تقوم بها خوارزمية/نظام تشغيل operating system للوصول للنتيجة الأفضل للمستعمرة ككل؟ كيف يفهم النمل تكلفة الفرد مقابل الربح المجنى منه و مفهوم صافى الربح و تقليل التكاليف ليحدد العدد الأفضل من الأفراد فى ظرف معين و هى كلها مفاهيم ذهنية؟ ان مجرد القول بأن هذه العمليات الحسابية يمكن تقسيمها الى أجزاء أو يمكن بناءها من مكونات و عمليات أبسط لا يحل شيئا فنفس الأمر ينطبق على أعقد النماذج الرياضية التى نبنيها نحن بعقولنا و مع ذلك لا أحد يقول يمكننى تقسيم هذا النموذج الرياضى المعقد الى أجزاء أصغر و أبسط اذن نشأ هو و أجزاءه و تم ترتيبها بأخطاء نسخ أو هذا النموذج الرياضى مفيد انتاجيا و لوجستيا اذن فقد نشأ بأخطاء النسخ. من جديد يطرح السؤال نفسه هل الحسابات المعقدة المطلوبة لتنسيق بروتوكول الاتصال من جهة و تحديد نسب الباحثين و المتفاعلين وفقا لمخزون الطعام المتوافر من جهة أخرى لها أى علاقة بتشفير البروتينات فى الحمض النووى و أخطاء النسخ و الانتخاب الطبيعى؟


و طبعا بعد شرح طويل عريض لمدى مشابهة شبكات الاتصال و التأمين و النقل و المواصلات و خوارزميات اتخاذ القرار التى "طورها" النمل لما نفعله نحن البشر بعقولنا و علومنا يأتى الاستنتاج العجيب. بما أن بعض المستعمرات تأخذ قرارات أفضل من الأخرى فى ادارة الموارد فتنتج نسلا أكثر اذا لابد أن الانتخاب الطبيعى هو الذى صنع كل هذا!. و هذا كمن يقول لك بما أن بعض برامج الكمبيوتر أداءها أفضل من الأخرى و تبيع أكثر اذن برامج الكمبيوتر نشأت بقيام المشترى بالانتخاب من بين ملايين الحالات من ضرب أزرار لوحة المفاتيح عشوائيا. من جديد يطرح السؤال نفسه هل الحسابات المطلوبة لتنسيق بروتوكول الاتصال من جهة و تحديد نسب الباحثين و المتفاعلين وفقا لمخزون الطعام المتوافر و الظروف البيئية من جهة أخرى و غيرها من العوامل المختلفة التى يتم أخذها فى الحسبان يمكن أن تنتج بأخطاء نسخ حمض نووى خطوة خطوة؟ هل نشأت بروتوكولات TCP التى بنيت عليها شبكة الانترنت بأخطاء النسخ حرفا حرفا أم بالضغط البيئى أم لأنها مفيدة أم لأى سبب اخر من نماذج الحشو الكلامى و العبارات المرسلة الذى يقوله التطوريون؟


لاحظ أيضا أهمية تشبيه الباحثة ديبورا جوردون مكتشفة الأمر (المصدر قبل الأخير) بأن هذا السلوك شبيه بتصميم الشبكات المجهزة للتجاوب مع معدلات طلب/عمل متغيرة عبر أجزاء الشبكة اذ أنها هى و زملاءها التطوريين يحاولون دائما نفى التصميم عن أى شئ بمجرد القول بأنه يعمل وفق مجموعة قواعد ينبثق منها السلوك العام bottom up بدلا من كون السلوك العام محدد من البداية و ثابت top down بينما نعلم جيدا أن المهندسين بامكانهم تصميم الكثير من الأنظمة التى لا تكون موجهة نحو سلوك بعينه بل تعمل وفق مجموعة قواعد و شروط تجعلها تنوع سلوكها حسب الظروف على طريقة البرمجة بالشروط if condition (اذا حدث كذا افعل كذا و اذا حدث كذا افعل كذا بدلا من فرض سلوك موحد لتمكين البرنامج من الاستجابة لمدى واسع من الظروف و تعديل سلوكه الى أفضل سلوك فى كل حالة) و هذا لا ينفى التصميم كما يحاول التطوريون ايهام الناس بل يثبته لأننا نقوم به و فى حالات كثيرة يكون هو التصميم الأفضل.


ان الهدف من هذا الخداع الكلامى التطورى هو الايحاء بأنه طالما يعمل يظهر السلوك بسبب مجموعة قواعد يتبعها الفرد لا بسبب كون السلوك ذاته مبرمجا كما هو من البداية اذن فهذا السلوك ليس مصمما و لكنه عملية تنظيم ذاتى self organization أى أن الكائنات تنظم نفسها بنفسها بدون تصميم و طبعا هذا التنظيم الذاتى و تعليماته و قواعده تطور خطوة خطوة بدون تصميم أو أن ما يبدو لنا سلوكا معقدا مصمما هو فى الواقع مجرد ناتج لاجتماع بعض الأجزاء و السلوكيات البسيطة جنبا الى جنب فينبثق منها emerges/emergent behaviour سلوكا نتوهم أنه مصمم لقصد و غاية. بعبارة أخرى مصطلحات bottom up أسفل الى أعلى و emergence انبثاق و self organization تنظيم ذاتى هى مجرد تنويع عل الحيلة التطورية الشهيرة "انه لس تصميم بل وهم التصميم" بينما الواقع يقول أن المهندسون و المبرمجون أنفسهم يصممون أنظمة متقدمة تعمل بهذه الطريقة.


لن تجد نظرية علمية أدلتها و تفسيراتها عبارة عن حشو من العبارات الانشائية المضللة و خدع كلامية رخيصة بهذا الشكل سوى"فلسفة التطور" التى تمثل أنها علم!!! المدهش أن أحد أشهر الأمثلة التى يضربها التطوريون على هذا هى عمليات برمجة سلوك الأسراب مثل الدرون drones أو ما يسمى swarm intelligence عن طريق اعطاء برنامج عمل لكل فرد فى السرب على حسب الظروف المحيطة به سواء من البيئة أو من سلوك الأفراد الاخرين بعد هذا يؤكد التطوريون أن هذا دليل على امكان بناء مثل هذه السلوكيات بطريقة bottom up بحيث ينبثق سلوك السرب من اجمالى سلوك الأفراد دون أن يكون هناك مخطط وهذا نموذج للاستدلالات التطورية العجيبة التى تلوى أعناق الحقائق و تتلاعب بالكلمات لانتاج سرديات مضللة ملتوية على مقاس النظرية فأى شخص عمل فى البرمجة فى حياته يعلم جيدا أنه لا أحد فى الكون يبنى برنامجا عن طريق التغيرات العشوائية فى النص بل ان البرنامج سواء كان برنامج لسرب كامل أو لأفراد هو تعليمات مصممة بهدف تحقيق غاية نهائية سواءا كانت التعليمات على مستوى الفرد بحيث ينشأ سلوك الجماعة من مجموع سلوك الأفراد bottom up أو تكون التعليمات على مستوى الجماعة و سلوكها محدد سلفا Top Down ثم يذهب كل فرد لأداء دوره نحو تحقيق هذا السلوك.


بل ان المرء قد يجادل أن طريقة أسفل الى أعلى فرد الى مجموعة التى يزعم التطوريون أنها تنفى التصميم تحتاج تصميما أكثر دقة و براعة نظرا لعدد المحاذير الكبير الذى يجب أخذه فى الحسبان و الفرد يتصرف حتى لا يعيق أو يؤذى الاخرين أو نفسه و فى نفس الوقت ينتهى الى شئ مفيد كما أنها تقود الى نتائج أكثر تنوعا و مرونة بسبب عدم تحديد نمط سلوكى بعينه مقدما و هذه هى عين مغالطة the man in the loop التى يحاول التطوريون بها خداع الناس بعمل برامج مصممة و مشحونة بقدر كبير من المعلومات ثم الكذب على الناس و القول أن هذه البرامج تحاكى عملية تطور عمياء بلا غاية او تصميم كما ناقشنا سابقا عند الحديث عن البرمجيات التطورية


تخيل أن الاقتباس الذى افتتحنا به هذا المقال قد شبه أفراد مستعمرة النمل بالشرائح الالكترونية الموجودة فى الأجهزة و التى تتفاعل معا لاعطاء النتيجة فهل معنى أن كل شريحة الكترونية أو بروسيسور(معالج معلومات) فى الحاسب الالى يعمل بمفرده وفقا لمجموعة من القواعد المحددة له و لا يدرى عن عمل باقى أجزاء الحاسب شيئا أن الحاسب ككل غير مصمم و أن خوارزمية نظام التشغيل operating system غير مصممة (و نفس الأمر لأسراب الدرون) و أن الكود (برنامج التحكم) لا يأخذ فى الاعتبار الصورة العامة للسلوك المطلوب فى النهاية؟ طبعا هذا كلام فارغ قولا واحدا فاذا نظرت مثلا الى أى برنامج ادارة شبكات أو روبوتات من التى تعمل بهذه الطريقة ستجد أن الشروط المختلفة المقابلة للحالات المختلفة يجب أن تجتمع حتى يعمل البرنامج بشكل صحيح و لا يمكن أن تنشأ خطوة خطوة بل و الأهم أن جمع هذه الشروط و تحديدها لا يتم الا بعد تصور عام من الأعلى top down لما هو البرنامج و ما هو المطلوب منه و بالتبعية ماهية مجموعة التعليمات المناسبة. و كمثال عملى بسهل فهم الموضوع فانه عند برمجة ما يسمى swarm intelligence و هى برامج التحكم فى عدد من الروبوتات الصغيرة التى تنسق العمل معا فانه لا يتم فرض السلوك على كل روبوت على طريقة "اذهب فى الاتجاه الفلانى" بل يتم وضع قواعد عمل من طراز "اذا وجدت أحد زملاءك على مسافة س ابتعد عنه بمسافة ص و زاوية أ" و “فى الحالة م قم بزيادة السرعة بنسبة ب” و هكذا. و كما هو واضح من هذا المثال فان القول بأن التعليمات من أسفل الى أعلى بدلا من أعلى الى أسفل يعنى غياب التصميم هو مجرد نصب لا أكثر فما كانت هذه التعليمات أن تكتب و تترتب بالشكل الصحيح و الشروط أن توضع للظروف الملائمة و تحدد رد الفعل الصحيح لكل ظرف و ما فيها من متغيرات (س/ص/أ) أن ينضبط لولا تصور عام لما هو مطلوب من السرب أن يفعله و تصميم دقيق للبرنامج.

حاول أن تتخيل تباديل و توافيق الحروف و الأرقام و الشروط و السلوكيات اللانهائية التى يمكن وضعها فى المسافات و التى لن تنتج لك أى تعليمات ذات معنى و لو عبر ملايين السنين ان كنت تعمل فقط بطفرات (تغيرات عشوائية للحروف عبر أجيال الكائنات) ناهيك عن عدم امكان انتاج الجملة حرفا حرفا أصلا بحيث تظل ذات معنى و كذلك القيم التى يمكن وضعها مكان المتغيرات و ستقود الى نتائج خاطئة و وضع الترتيبات الصحيحة للتعليمات و السلوك المناسب أمام الشرط المناسب و تحديد الأولويات...الخ. و قد قام النصاب الشهير رتشارد دوكنز بعملية نصب مشابهة لعملية weasel ware اذ استعان ببرنامج محاكاة يصنع ما يشبه حركة أسراب الطيور المنتظمة bird murmuration عن طريق الزام كل فرد من السرب بعدة قواعد دون الزام مجمل السرب باتخاذ أشكال معينة فاذا بحركات السرب و أشكاله المنتظمة تنشأ/تنبثق emerges من هذه القواعد و طبعا بدأ استخدام الحيل الكلامية اياها التى يبدو أنهم يدرسونها فى مناهج نظرية التطور لتسهيل خداع الناس للايحاء بأن هذا دليل على نشأة هذه السلوكيات دون تصميم أو قصد أو غاية أو هدف و أنها تنبثق من الطبيعة متجاهلا أن برنامج المحاكاة ضبط هذه التعليمات التى سيلتزم بها كل فرد لتحقيق تناسق السرب و لم يضعها بقرع عشوائى للأزرار. حاول أن تتخيل كم القيم أو التعليمات التى ان تغيرت ستؤدى الى اصطدامات أو على الأقل خلل فى التشكيل (لاتتحرك فى هذا الاتجاه بل تحرك فى أى واحد من الاتجاهات الأخرى- لا تنحرف بزاوية كذا بل بأى زاوية أخرى - زد السرعة بكذا أو قللها بكذا...الخ) كم هائل من التعليمات و القيم التى يجب ضبطها والا انهار التشكيل. و طبعا كما نعرف فان هذه برامج المحاكاة نفسها لا تكتب بأخطاء نسخ تدريجية ناهيك عن نشأة المعدات (الأجساد المناسبة بالات الرصد المناسبة و الات الحركة المناسبة لتنفيذها)


مثال اخر: تقوم مستعمرات النحل بالبحث عن الطعام عن طريق الموازنة بين عدد من الباحثين المبادرين الذين يخرجون من تلقاء أنفسهم و عدد من المتفاعلين الذين ينتظرون معلومات من العائدين و تتغير نسب المبادرين الى المنتظرين حسب حالة الخلية و مدى توافر الطعام فيها و ظروف البيئة و مدى سهولة أو صعوبة البحث فيها للوصول الى أفضل النتائج فى البحث ففى بغض الظروف تكون زيادة عدد المبادرين هى الأفضل و فى ظروف بيئية أخرى تكون زيادة عدد المنتظرين هى الأفضل و الأوفر للطاقة و الخلية/الجماعة الحية تأخذ القرار المناسب للظرف المناسب عن طريق مجموعة من الخطوات المرتبة و السلوكيات المنظمة تشبه البرمجة الشرطية المضبوطة بقيم محددة (اذا كانت نسبة كذا أعلى من كذا افعل كذا و اذا كانت قيمة كذا أقل من كذا افعل كذا...الخ)


In the case of a dearth of resources it would be counter-productive for all the individuals to spend large amounts of energy searching. On the other hand, if food sources can be found easily, there is no need for a worker to stay in the nest and wait to be informed about their precise positions. The proportion of pro-active searchers strongly influences the energy spent in searching for food and the amount of energy collected. For any set of environmental conditions, there is an optimal division of labour...Our theoretical results are consistent with experimental data from the literature. The proportion of pro-active workers is not constant; rather it varies as a function of the environmental conditions

F.-X. Dechaume-Moncharmont et al., "The hidden cost of information in collective foraging" Proceedings of the Royal Society B: Biological Sciences, 272(1573), 1689–1695. (2005)



و تماما كما فى حالة النمل فان منتجات أخطاء النسخ يتضح أنها أفضل من منتجات المهندسين

The nature inspired routing algorithm offers improved performance when compared to the existing state-of-the-art models.

I. Jeena Jacob and P. Ebby Darney, “Artificial Bee Colony Optimization Algorithm for Enhancing Routing in Wireless Networks” Journal of Artificial Intelligence and Capsule Networks, Vol. 03, No. 01, 2021.


و من جديد نكرر: ان من أخطر الخدع التى يقوم بها التطوريون فى هذه الحالات هى تفكيك السلوك الى أجزاء ثم التظاهر بأن مجرد تكونه من أجزاء متفاعلة معناه أنه غير مصمم فمثلا بما أن اتخاذ قرار على مستوى المستعمرة تم عن طريق اجمالى عدد كبير من التفاعلات بين أفرادها اذن فهذا السلوك ينبثق emergent من أجزاءه و مكوناته دون تصميم و هذا بالضبط كمن يقول لك بما أن توجيه الاشارات عبر شبكات التواصل يعتمد على التفاعل بين الاشارات المرسلة و تلك العائدة اذن فشبكات التواصل و بروتوكولات الاتصالات غير مصممة بل تنبثق من تفاعل الاشارات! التطورى يحاول التمويه على وجود كل هذا التصميم بنفس الخدعة فعملية التواصل و نقل المعلومات بين أفراد مستعمرة النحل التى ذكرناها فى المقال السابق مثلا ليست مصممة و لا توجد لها خوارزمية ادارة بل هى مجرد تفاعل للأفراد بين فرد يرقص ليوضح موقع طعام و اخر يوقفه أو بين فرد يطلق فيرمون معين و اخر يستقبله. الخدعة هنا هى ببساطة نقل المشكلة الى مكان اخر و التظاهر بحلها فالأجزاء ذاتها من غدد اطلاق الفيرمونات و أعضاء استقبالها و الخوارزمية التى تحدد متى تطلق و ما رد الفعل لدى المتلقى مصممة و بروتوكول الرقص المعقد الغنى بالمعلومات مصمم و لهاذا فان تفاعلات هذه الأجزاء المصممة هى التى تعطينا النتيجة.


بعد ذلك ينقل التطورى الخدعة الى المستوى الأعلى و هو خوارزمية اتخاذ القرار بعد تلقى المعلومات فيزعم مثلا أنه بما أن خوارزمية اتخاذ القرار الصحيح الرائعة الممثلة فى الصورة أعلاه تحتاج-كأى DSS Decision Support System منظومة اتخاذ قرار- الى تفاعل عدة أجزاء و سلوكيات و مصادر معلومات فهى بالتأكيد "تنبثق" من مكوناتها بدون تصميم تماما فقط مجموعة من أخطاء النسخ صنعت الخطوات و رتبتها و صنعت نقاط اتخاذ القرار و ضبطت القيم ليتم أخذ القرار الصحيح مقابل الظرف الصحيح و طبعا ضبطت معدلات التغير فى اتخاذ القرار لتوائم تغيرات البيئة بالشكل الصحيح فانبثقت خوارزمية العمل بدون تصميم كما انبثقت الورقة العلمية لمجرد أنها مكونة من حروف و كلمات و انبثقت الأجهزة التى استخدمها العلماء لأنها مكونة من أجزاء متفاعلة و طبعا انبثق العلم نفسه من اشارات الخلايا العصبية فى المخ دون أى دور لعقول و أفهام العلماء!


مثال شهير اخر هو عمليات اتخاذ القرار الجماعية فى النمل بشأن تنسيق نقل الطعام مثلا فالنمل يستطيع أن يصل الى عدد الأفراد المثالى عند مصدر الطعام بسرعة. كيف؟ هنا يسارع التطورى ليؤكد لك على حقيقة "الانبثاق" و "التنظيم الذاتى" و عدم وجود أى تصميم. لماذا؟ يضع الكشاف الذى عثر على الطعام فيرمون الأثر الذى يحدد الطريق ثم يبدأ فى لفت نظر الزملاء الى أن هذا أثر يقود الى طعام. المادة الكيميائية لفيرمون الأثر تبقى لفترة ثم تزول و لكن مع خروج مجموعات من النمل تضع المزيد من هرمون الأثر أثناء عودتها فيخرج المزيد من النمل الى أن تصبح كمية النمل لدى الهدف مناسبة و أى زيادة لا تتمكن من المشاركة. تعود الزيادات التى لم تشارك دون وضع فيرمون الأثر فلا يزيد عدد المشاركين أكثر و ينضبط عند القدر المناسب. مع نضوب الطعام تقل الأعداد القادرة على المشاركة فيعود المزيد من النمل خالى الوفاض فلا يضع فيرمون الأثر. يقل تركيز فيرمون الأثر فتقل كمية النمل التى تخرج مع نضوب الطعام و هكذا تصبح كمية النمل لدى الطعام دائما مناسبة بدون الحاجة الى تصميم.


لحظة واحدة! هل فعلا مجرد تجزئة العملية بهذا الشكل معناها أنها غير مصممة؟ تحتاج الى فيرمون الأثر و تحتاج الى ضبط مادته بحيث لا تتبخر بسرعة شديدة أو بطء شديد (ليظل التركيز معتمدا على عدد الأفراد العائدين محملين بالطعام و ليس على الأثر الأول القديم فتحدث عملية تحديث معلومات). تحتاج الى أجهزة استشعار الفيرمون و تحتاج الى برنامج يقول للنمل ضع فيرمون الأثر عندما تعود بطعام و لا تضعه عندما لا تتمكن من المشاركة حتى لو كان الطعام وفيرا و تحتاج مستقبلات متباينة فى المستعمرة لا تستجيب كلها لنفس التركيز من فيرمون الأثر. و طبعا تحتاج الى فيرمون التجنيد (أو اشاراته الحركية) الذى يخبر النمل أصلا أن هذا الأثر يقود الى طعام و ليس الى شئ اخر و يجب ضبطه بحيث يكون محدود الأثر جدا حتى لا تخرج أعداد كبيرة دفعة واحدة (أحيانا بدلا من فيرمون التجنيد تكون حركات جسمانية و حدتها يجب أن تكون مضبوطة) بل و فى بعض الأحيان يتم تغيير مدى تركيز الفيرمون او مدى قوة الحركة الجسدية حسب جودة الطعام/الموقع الجديد و غيرها من التفاصيل الدقيقة المبهرة لعمليات و اليات التواصل التى ناقشناها سابقا و فقط بعد ضبط كل هذه المكونات و تفاعلها و استجابة الكائنات لها "ينبثق" السلوك و يتحقق "التنظيم الذاتى" للمستعمرة و قس على ذلك سلوكيات أخرى تتطلب تنسيقا جماعيا فى النمل و النحل من بحث عن طعام و تحديد موقع خلية/عش جديد...الخ


و لأن بعض المؤدلجين يحاولون تحريف معنى العلم من السعى الى فهم كيف تعمل الأشياء الى السعى لايجاد أخطاء فى كيف تعمل الأشياء و كما نتوقع من أعداء العقل و العلم من منكرى التصميم فقد بدأوا يبحثون بجنون عن أخطاء أو مشاكل فى هذه المنظومة ليثبتوا أنها نشأت من عمليات لاغائية غير مبنية على العلم و كأن وجود خطأ فى ورقة علمية لأحدهم يصلح كدليل على أنه كتبها ببرنامج مولد حروف عشوائى قام بتشغيله لملايين المرات!!! و بالفعل عثروا على معدل خطأ فى العملية يتراوح بين 10 الى 15 فى المتوسط فى دقة نقل المعلومات عن طريق وسائل الاتصال بين الحشرات الاجتماعية و طبعا كما جرت العادة بدلا من النظر الى هذا "الخطأ" فى سياق كون كل ما حوله مصمما بدأ استخدامه و كأنه ينفى كل ما حوله من تصميم كمن يستشهد بحدوث error/glitch خطأ فى برنامج كمبيوتر على أن البرنامج كله غير مصمم و أنه لا يوجد مبرمج.


و لكن مع الأسف فرحتهم لم تكتمل اذ أشارت بعض الدراسات الى أن نسبة الخطأ هذه فى الواقع مفيدة خاصة فى حالات ندرة الموارد أو وجود ظروف بيئية كالرياح ربما تدفع قطعة غذاء تم العثور عليها من موقعها أو حتى تدفع الكائن نفسه لصغر حجمه بل أحيانا تساعد نسبة الخطأ فى الوصول الى موارد أخرى تكون قريبة من المورد المعثور عليه بينما زيادة نسبة الدقة قد تقود الى انخفاض معدل العثور على موارد جديدة. أشارت دراسات أخرى كذلك الى أن الأمر مرتبط بامكانات جسد الحشرة و عدم قدرتها على توصيل المعلومات بشكل أكثر دقة و هو ما يسمى Pareto Optimization عندما يصبح أى تحسين اضافى لجانب ما ذو تأثير سلبى على جوانب أخرى...بل ان الدراسات التى رجحت هذا الأمر أشارت الى أن النحل-و كأنه يعرف أن هناك معدل خطأ فى ايصال المعلومة عن طريق حركات waggle dance و كيف يتعامل معه حسابيا-يقوم بمتابعة الرسالة عدة مرات ثم حساب "متوسط" للقيم لتعويض معامل الخطأ...المزيد من الابهار الذى تقوم به أخطاء النسخ


“Dance followers compensate for any errors by following more waggle runs, averaging waggle run direction, using smell cues, and if they fail to locate the indicated resource, they may then search a large area around the indicated forage location”

Kaitlyn Preece and Madeleine Beekman "Honeybee waggle dance error: adaption or constraint? Unravellingthe complex dance language of honeybees" Animal Behaviour 94(3–4):19–26 (2014)


Ryuichi Okada et al., "Error in the Honeybee Waggle Dance Improves Foraging Flexibility" Scientific Reports volume 4, Article number: 4175 (2014)


و نفس الأمر أيضا ينطبق على النمل اذ طار “البعض” فرحا باكتشاف ما أسموه “خللا” فى قدرة النمل على اتباع الفيرمونات للوصول الى الهدف و أن نسبة من النمل تترك الطريق قبل اتمامه ثم اذا بالأبحاث تشير الى أن “معامل الخطأ” هذا فى الواقع يحسن من فرص النمل فى العثور على موارد اضافية خاصة فى البيئات المتغيرة


A. Dussutour et al., "Noise improves collective decision-making by ants in dynamic environments" Proceedings of the royal society B, Biological Sciences (2009)


Bernd Meyer et al., "Noise-Induced Adaptive Decision-Making in Ant-Foraging" International Conference on Simulation of Adaptive Behavior SAB 2008: From Animals to Animats 10 pp 415-425

بل و فى حالات أخرى كحالات النمل الذى يصطاد فرائس المسألة ليست تحسينية بل ضرورية لأن الوقت المطلوب لقيام الكشافة باحضار عدد مناسب لللانقضاض على الفريسة تكون قد تحركت أثناءه و لم يعد المسار يقود اليها بدقة


Edward O. Wilson "Chemical communication among workers of the fire ant Solenopsis saevissima (Fr. Smith) 2. An information analysis of the odour trail" Animal Behaviour Volume 10, Issues 1–2, January–April 1962, Pages 134-138, IN17, 140-147


J.L. Deneubourg et al., "Probabilistic behaviour in ants: A strategy of errors?" Journal of Theoretical Biology Volume 105, Issue 2, 1983, Pages 259-271

لدرجة أن ورقة Meyer et al سابقة الذكر ناقشت احتمال الاستفادة من هذا المعامل فى برمجة الأسراب Swarm intelligence و هى البرامج التى تستخدم لتنسيق عمل عدد من الالات الصغيرة أو وحدات نقل المعلومات معا...أى أن مبرمجا ذكيا سيجلس ليصمم برنامج و يضع فيه معامل/مقدار للخطأ/العشوائية (الأدق هو تسميته معامل تغيير) لتحسين أداءه فى البحث و مع ذلك لن يقول مجنون ما أن هذا المعامل دليل على أن البرنامج و الالات التى يتحكم فيها قد نشأت ب”ملايين الأخطاء فى النسخ”!!! و فى قلب ما يسمى برمجيات ذكاء السرب سواءا تلك التى تستخدم فى المحاكاة لحل المشاكل الكترونيا كحساب أقصر الطرق بين نقاط معينة او تحديد أفضل استراتيجيات البحث أو تلك التى تستخدم فعليا لادارة أسراب من الروبوتات أو الدرونز drones ستجد خوارزميات مشتقة من حشرات مختلفة مثل Ant Colony Optimization Algorithm و Bee Algorithm و طبعا كلها لم تنشأ من أخطاء النسخ و لا تنتفى عنها صفة التصميم لأنها تعمل من أسفل الى أعلى bottom up بدلا من أعلى الى أسفل top own – فقط بين المروجين لنظرية التطور نسمع هذه المهازل الفكرية.


و فى ورقة علمية أخرى بحث يتحدث عن معامل الخطأ أو بمصطلح أفضل مقدار عدم الدقة uncertainty مشيرا الى أن كائنات متباينة أثناء تتبعها لأثر ما تقوم-حال فقد الأثر-بتطبيق استراتيجية بحث عالية الكفاءة لمسح قطاع كامل من المنطقة sector search عن طريق اضافة معامل خطأ للاتجاه المفترض خلف الأثر ثم تضخيم معامل الخطأ تدريجيا لحينالعثور على الأثر مرة أخرى oscillations with increasing amplitude performed upon sustained loss of contact with the trail...طبعا التفسير العجيب هو وجود قيود هندسية و حسابية على عملية البحث الناجح و كأن وجود هذه القيود سيجعل الرنامج الحسابى الذى يراعيها أثناء تحقيق الهدف ينشأ و من جديد اشارة الى أن مثل هذه الاستراتيجيات قد تكون مفيدة فى الروبوتات التى يصممها البشر


"we define navigational strategies relevant for animals and biomimetic robots and formulate trail tracking as a behavioral paradigm for learning, memory, and planning"

"we show that an optimized sector search strategy based on the memory of two or more recent detection events yields an oscillatory search path with increasing amplitude...This framework elucidates the geometric and computational constraints faced by tracking animals and identifies general features of the algorithms that efficiently solve the task, which can also be implemented for robotic applications"

Gautam Reddy et al., "Sector search strategies for odor trail tracking" PNAS January 4, 2022 119 (1) e2107431118

لا أعرف حقا لماذا يقومون ببرمجة أو حتى صناعة الروبوتات طالما أن وجود قيود تفسير كافى لنشأة برنامج يلتزم بالقيود؟ أو كما جاء تشبيه سلوك النمل بدوار الكمبيوتر فى الاقتباس الذى افتتحنا به لماذا نصمم أجهزة الكمبيوتر؟ أليس مجرد خضوعها لقوانين و تكونها من دوائر الكترونية كافى "لتنبثق" بمفردها من مكوناتها بلا تصميم كما يزعمون فى حالة النمل؟ ناهيك طبعا عن الاصرار على البحث عن أى شئ لا نفهم وظيفته و الزعم بأنه خطأ ثم القفز الى الاستنتاج العجيب: كل شئ (و ليس هذا الشئ المعيوب فقط) غير مصمم بينما حتى ان فرضنا أن هناك شيئا معيوبا فعلا وسط كل هذه التصميمات فالأوقع أنه تلف مع الزمن و ليس أن نستخدمه لنفى تصميم ما حوله.


و برغم كل هذا لن يتورع التطورى عن الحديث عن أخطاء النسخ و اللاغائية و العشوائية التى تصادف أن أتت بشئ مفيد فأبقاه الانتخاب الطبيعى. لماذا؟ السبب هو أن وجود مثل هذه الاليات مزعج جدا بالنسبة لنظرية التطور التى تحاول دائما تسفيه كل شئ على أنه أنظمة قامت الطبيعة "بترقيعها" cobbled/scavenged بطرق خرقاء فاشلة مثيرة للسخرية لا يمكن أن يقوم بها مصمم عاقل. لذا فان النظرية ستبحث دائما عن أى سلوك بسيط لتزعم أن سلوك معقد اخر قد تطور منه بدون تصميم أو غاية بل بمجرد خطأ فى نسخ الحمض النووى أو أنه قد تعرض للدمج/اعادة التوظيف فى استخدام جديد و هو ما يسمى عادة ritualization و هو نسخة Exaptation/Cooption الخاصة بالسلوك. كل هذه المصطلحات الرنانة قد توحى للقارئ الغير مدقق أن النظرية اكتشفت الكثير من "اليات التطور" بينما هى فى الواقع ألفت الكثير من القصص و التى كثيرا ما تعارضها البيانات كما وضحنا فى ختام المقال السابق


يعلق اريك كاسل مهندس الأنظمة الملاحية فى كتابه خوارزميات الحيوانات على مثل هذه الأمور قائلا "ان التطوريين قد برمجتهم نظرية التطور على أن يروا أخطاء فى التصميم حتى لو لم تكن موجودة" و هو ما تعبر عنه بدقة جملة عالم الأحافير التطورى ستيفن جاى جولد الشهيرة فى أحد كتبه التى دعا فيها علماء البيولوجيا التطورية – بمنتهى الحياد العلمى – للبحث عن تصميمات فاشلة لنفى وجود الاله أو على الأقل نفى تدخله


But ideal design is a lousy argument for evolution, for it mimics the postulated action of an omnipotent creator. Odd arrangements and funny solutions are the proof of evolution—paths that a sensible God would never tread but that a natural process, constrained by history, follows perforce. No one understood this better than Darwin. Ernst Mayr has shown how Darwin, in defending evolution, consistently turned to organic parts and geographic distributions that make the least sense.

Gould, S. 1980. The Panda’s Thumb. p. 20-21

و هو ما يستميت التطوريون لاثباته بتكرار مزاعم كثيرة حول سوء التصميم فى أجهزة الجسم أو فى الهيكل العظمى أو فى العيون و الأعصاب يتراوح معظمها بين تجاهل البيانات و بين الكذب الصريح! لهذا فان نظرية التطور تشعر أنه من واجبها المقدس تشويه التصميم البديع فى كل شئ لاثبات نفسها لكن التجربة العملية تقول أنه كلما تقدمنا علميا تأتى كشوف تثبت أن ما ظنناه يوما خطأ ليس كذلك و لنا فى الحمض النووى الخردة و الجينات الزائفة و الفيروسات المدجنة عبرة و عظة.


المصادر:


Eric Cassell "Animal Algorithms" (2021)

Bert Hölldobler and Edward O. Wilson "The Superorganism: The Beauty, Elegance, and Strangeness of Insect Societies" (2008)

Jürgen Tautz "The Buzz about Bees: Biology of a Superorganism" (2008)

-مصادر و مقالات متنوعة



69 views0 comments

Comments


Commenting has been turned off.
Post: Blog2_Post
bottom of page