تصميم الحياة (ملحوظة: حال وجود كلام بين قوسين مربعين [] فهذه ملاحظة منى و ليست من الكتاب) 1
مقدمة عن الكتاب و هدفه
يقدم أنصار الداروينية التطور لا كنظرية قابلة للنقاش انما كحقيقة مسلمة لا ينكرها الا جاهل أو متعصب و لها أدلة حاسمة لا تقبل الجدل لكن هذا غير صحيح عند العارفين بواقع النظرية و حقيقة ما يجرى فى أوساط العلماء و المؤسسات العلميةو هو مجرد دعايا درامية للنظرية أمام تواتر شهادات الخبراء المؤيدين لها و ليس فقط المعارضين بعجزها عن تفسير ظهور الأنواع speciationأو الانتواع. بل من الخبراء من قدم أدلة على قصورها و بطلانها كالقدح فى مفهوم الانتخاب الطبيعى المؤسس للنظرية من تطوريين مثل وليام بروفاين و جيرى فودور و ماسيمو بياتيلى. و فى ظل هذا التضارب العلمى لا أقل من استصحاب الأصل العلمى السائد قبل داروين و هو أن البرازخ الكبيرة بين أشكال الحياة و ما فيها من تعقيد و تنظيم يستبعد فرضية تحولها بالترقى من الأدنى الى الأعلى و هو ما قال به أساتذة داروين أنفسهم الذين أثنى عليهم من بيولوجيينو جيولوجيين. [و أن تشابه التصاميم هو قوالب مصممة للكائنات archetypesحسب الوظيفة المطلوبة-كما كان سائدا قبل نشر داروين لنظرته الفلسفية القائمة على غياب التصميم و الغاية-لا وراثة من سلف مشترك مفترض غير موجود أصلا فى حالات التطور المتقارب المفترضة]
من هنا تظهر أهمية الكتابة فى هذا الموضوع أمام الافتتان الخانع بالنظرية و الهجوم اللاذع على من يحاول المساس بها حيث يهدف هذا الكتاب الى تقديم أدلة على وجود تصميم فى الحياة و اثبات فشل الداروينية الحديثة المعتمدة على الصدفة و عدم الحاجة لمصمم متعرضا لاثبات سجل الأحافير خطأ فرضية التطور التدريجى و توضيح ترابط و تعقيد مقومات الحياة و أنظمتها. يحاول الدراونة دائما اثبات أن التصميم متوهم و أن التعقيد نتيجة تطور صدفى الا أنه مع ازدياد اكتشاف مظاهر التعقيد بدأ التفسير الداروينى يواجه صعوبات كبيرة و مع ذلك يمضى الاعلام فى تصوير أى معارضة للداروينية على أنها معارضة دينية للعلم متجاهلا الحجج العلمية لمعارضى النظرية. فمثلا عادة ما يتم التدليل على التطور للعامة بتكيف الكائنات الحية و تغير تتابعاتها الجينية [التغيرات فى قلب الحوض الجينى الواحد للكائن أو ما يسمى بالتطور الصغروى] لتجنيبهم محل الخلاف و اخفاء القضية الأكثر خطورة و هى انحدار كل الكائنات الحية من سلف مشترك بتنوعات عشوائية صدفوية و ضرورة انتخاب طبيعى يبقى الأفضل للتكاثر و هى فرضية داروين الذى رأى التخلص من الحاجة للذكاء و التصميم و الغائية فى تفسير الأنظمة البيولوجية.
ملحوظة من مركز براهين القائم على الترجمة: من منظور اسلامى فان المحاولات المستميتة للجمع بين النصوص الشرعية و التطور الداروينى أو الموجه تقفز على الواقع و تتجاهل عدم وصول النظرية لرتبة القطعية المطلوبة لمحاولة الجمع بينها و بين النصوص فضلا عن تأويل النصوص وفقا لها كما نلفت النظر أنه لأسباب شرعية متعلقة بعدم جواز تسمية الله بما لم يسم به نفسه فسيتم استخدام مصطلح الصنع المتقن بدلا من التصميم الذكى فى الترجمة
[ملحوظة شخصية: الكتاب-على الأصل الفصل الأول-يستخدم مصطلح التصميم الذكى برغم الملحوظة السابقة]
الفصل الأول : أصل الانسان
المبحث الأول: هل التصميم الذكى علم؟
التصميم الذكى هو دراسة الأنماط الموجودة فى الطبيعة التى يتم تفسيرها بالشكل الأمثل باعتبارها مصنوعة من قوة ذكية توظف الطرق و الأدوات و التصاميم المناسبة لتحقيق الغايات. يشير التطوريون مثل فرانسيسكو ايالا و ديفيد هال و غيرهم الى أن أعظم ما حققه داروين هو اثبات امكانية تفسير النظام الموجهفى الكائنات الحية كنتيجة لعمليات طبيعية محضة دون حاجة لخالق و أن التصميم ليس علما أصلا [بل دين كما كانت الحجة فى محاكمة دوفر لمنع تدريس التصميم الذكى فى المدارس لأنه قد يقود الى الصلاة]
الحقيقة أن هذه النظرة الى التصميم ليست علمية فالكثير من العلوم توظف التصميم فعلم الاثار مثلا قائم على امكانية التمييز بين ماصممه بشر قدماء و ما أحدثته عوامل الطبيعة و مشروع SETI البحث عن ذكاء خارج الأرض قائم على امكانية تمييز الاشارات الطبيعية عن اشارات الكائنات العاقلة بل ان عالما الأحياء ليزيى أورجيل و فرانسيس كريك مكتشف بنية الحمض النووى DNA وضعا نظرية panspermia القائلة بأن الحياة أكثر تعقيدا من أن تنشأ على الكوكب من تلقاء نفسها لذل فلابد أن كائنات فضائية قد زرعتها على الأرض و هذا كلام معتبر فى الوسط العلمى لوقوعه فى حيز العلم المادى و بعده عن التفسير الماورائى الخارج عن الطبيعة و الشاهد منه هو الاقرار الضمنى بالتصميم كجزء من العلم [فقط لأن المصمم هنا من داخل الكون]
مثل هذه الشواهد و غيرها تبطل الفرضية الداروينية المسبقة بوجوب الغاء التصميم من علم الأحياء.
المبحث الثانى: السلف الأحفورى
يصنف البشر بانتمائهم الى جنس الهومو و يحتوى السجل الأحفورى على أنواع منقرضة من الانس و لا يوجد أى دليل على تطور هذه الأنواع بعضها الى بعض سوى مقدار التشابه بين الانسان الحالى و هذه الأنواع المنقرضة فيتم ترتيب هذه الأنواع الى أسلاف بناءا على نسبة التشابه فالأكثر شبها بنا سلف أقرب و الأقل شبها سلف أبعد و هذا الاستدلال يفترض التطور ابتداءا و لا يثبته. نفس المعضلةتأتى عند افتراض انفصال سلالة الهومو (البشر) عن القرود و الخط الذى ينتهى بالشمبانزى حيث يتم استخدام نفس فكرة مقدار التشابه بيننا و بين كل نوع من القرود لتحديد أيهم السلف الأقرب و أيهم الأبعد و الترتيب الزمنى و علاقات النسب بناءا على افتراض مسبق لا دليل عليه بوجود سلف مشترك [يشبه الأمر أن تأتى بمجموعة أفراد متشابهين مع شخص و بناءا على درجة الشبه تقرر أن أحدهمأباه و أحدهم جده] و سيتم التطرق لهذا الأمر بالتفصيل فى الفصل الخامس ان شاء الله
المبحث الثالث: 98% شمبانزى
يستدل الدراونة كثيرا بأن نسبة التشابه بين الحمض النووى للانسان و الشمبانزى 98% فما قصة هذا التشابه؟
1-يتكون الحمض النووى DNA من 4 نيوكليوتايدات [الحروف التى تكتب بها الشفرة] و فى لغة من 4 حروف فقط فان أى شريطين من الحمض النووى ستكون متوسط نسبة التشابه بينهما 25%
2-عند افتراض هذه النسبة فى الثمانينات كان الباحثون يعلمون أن جينوم الشمبانزى أكبر ب10% من جينوم الانسان و مع ذلك تم تجاهل هذه النسبة و الاكتفاء بمقارنة أجزاء مختارة من الجينومين
C. Pellicciari, D. Formenti, C. A. Redi, and M. G. Manfredi Romanini, “DNA Content Variability in Primates,” Journal of Human Evolution 11 (1982): 131—141
[الأهم من ذلك أن نسب التشابه تختلف حسب التسلسلات التى يتم مقارنتها و التقنيات المستخدمة فى المقارنة و بعض المقارنات الأخرى قد وصلت بالنسبة الى 84% و هى أقل من تشابهنا مع كائنات أخرى
T.C. Wood, "The Chimpanzee genome and the problem of biological similarity".2006:1-18
G. Glazko, et al., "Eighty percent of proteins are different between humans and chimpanzees" Gene 346(2005): 215-219
J. Cohen, "Relative differences: The Myth of 1%". Science 316 (2007): 1836]
3-يتجاهل الاستدلال بهذه النسبة أن التشابهات الهيكلية الكبيرة بين الانسان و الشمبانزى من الطبيعى أن تشفر بجينات متشابهة [هذه التشابهات كانت تفسر بأنها قوالب تصميم مناسبة للغرض منها و ليس بالسلف المشترك قبل أن ينشر داروين نظرته الفلسفية الرافضة للتصميم. فمثلا هناك كائنات كثيرة تحتاج رئتين و بروتين كالهيموجلوبين لنقل الأكسجين و خلايا دم حمراء لنقل الهيموجلوبين و دم سائل يحمل هذه الخلايا و قلب يضخ هذا الدم فى شرايين...الخ. من الطبيعى أن يشفر كل هذا تشفيرا متشابها]
Jonathan Marks, “98% Alike? (What Our Similarity to Apes Tells Us About Our Understanding of Genetics),” The Chronicle of Higher Education (May 12, 2000): B7. See also Jonathan Marks, What It Means to Be 98% Chimpanzee: Apes, People, and Their Genes (Berkeley, Calif.: University of California Press, 2002).
4-للخلية طرق معقدة فى قراءة المعلومة الجينية و التعبير عنها genetic expression و تتفاعل البروتينات المصنعة لانتاج شبكة وظيفية عالية المستوى و لذلك فان أى تغيير جينى طفيف قد يؤدى الى تغير وظائف حيوية كبيرة و بما أن النظام متداخل و يتأثر بأى تغيير فى أى جزء منه فتعديله يتطلب ذكاء و ادراك و علم و ليس صدفة و عشوائية كما تفترض الداروينية و الا لانهار النظام كله
المبحث الرابع: الأدمغة الكبيرة و الصغيرة
يرجع التطوريون الاختلافات الجوهرية فى السلوك و القدرات الادراكية بين البشر و الحيوانات الى زيادة حجم الدماغ و لكنهم [كالعادة] لا يمتلكون تفسيرا علميا مفصلا بل فقط فرضيات مثل أن طفرة أوقفت انتاج أحد أهم بروتينات عضلات الفك و بالتخلى عن عضلات المضغ الضخمة أصبحت هناك مساحة أكبر لنمو الجمجمة و يحاججون بأن مجرد وجود هذه المساحة سيؤدى الى نمو الدماغ [من تلقاء نفسه-الرحرحة حلوة برضه] ليظهر الذكاء فجأة و كذلك اللغة و الثقافة. و لفهم مدى تعقيد الأمر فخلال ال18 أسبوع الأولى من الحمل تتشكل الخلايا العصبية (العصبونات) فى الدماغ بمعدل 250 ألف فى الدقيقة لتصنع شبكة منظمة من 100 بليون خلية كل منها له عشرات الالاف من الزوائد تربطه بالعصبونات الأخرى فى شبكة أكثر تعقيدا من كل شبكات الهاتف على الأرض [التى و من باب العلم بالشئ صممت و لم تأتى بالعشوائية و الصدفة]. يعتقد التطوريون أن كل هذا حدث بالصدفة لمجرد أن الفك توقف عن النمو [و لا حول ولا قوة الا بالله] لم لا فالتطور أنتج كل شئ [أو كما يقولون طالما أن الشئ موجود اذا فقد تطور فهى فرضية مسبقة يتم تفسير المشاهدات وفقا لها]
الطريف فى الموضوع أن عزو الذكاء و التعقيد الى كبر حجم الدماغ غير صحيح فللفيلة أدمغة أكبر من البشر و لم يشاهد العباقرة على مر التاريخ بأدمغة أكبر من أقرانهم. فى أدبيات التطور يرتبط الذكاء بالأدمغة الكبيرة و لكن الارتباط لا يعنى السببية [فالمخ وسيط أو أداة و ليس سبب أو مصدر للادراك] الا أن حتى مجرد الارتباط غير متين فكما ذكرنا فى مثال الفيلة تمتلك بعض العصافير قدرات ادراكية أكبر بكثير من المتوقع من حجم دماغها و قد درس عالم الأعصاب جون لوربر حالة طالب جامعة بمعدل ذكاء 126 حاصل على المركز الأول مع مرتبة الشرف فى الرياضيات و طبيعى اجتماعيا لكن دماغه أصغر بكثير من لاطبيعى و القشرة المخية لديه سمكها بضعة مليمترات بدلا من ال4.5 سم الطبيعية.من الحالات الشهيرة أيضا العالم لويس باستير الذى تعرض لحادث استمر بعده نصف دماغه فقط فى العمل و مع ذلك استمر فى أبحاثه عدة سنوات.
Roger Lewin, “Is Your Brain Really Necessary?” Science , 210 (12 December 1980): 1232.
Stanley L. Jaki, Brain, Mind and Computers (South Bend, Ind.: Gateway Editions, 1969), 1 15-1 16.
يتذرع التطوريون أمام هذه الحلالات بأن فى الدماغ فائضا كبيرا عن الحاجة و لكن ان كان الأمر كذلك فلماذا لم تتطور القدرات الادراكية البشرية دون الحاجة لأدمغة كبيرة [و بنفس المنطق لماذا لم تطور الحيوانات الأخرى نفس القدرات الذهنية البشرية فى أدمغتها الصغيرة و لماذا لم يصبح الفيل أذكى من أينشتاين] اضافة الى كل ذلك فان الافتراض المادى التطورى أن العقل و الادراك و الابداع نتيجة أنشطة كهربية و كيميائية فى الدماغ بلا دليل تجريبى [بل ان من يقرأ فى برهان الفطرة على وجود اله يجد الكثير من الكائنات ذات الأدمغة الصغيرة جدا تقوم بتكتيكات متقدمة فى التخطيط و البناء و التمويه و الهجوم و الهجرة و غير ذلك] و يشير عدد متزايد من الأبحاث الى أن حجم المخ ليس عاملا كبير التأثير على الذكاء و القدرات الذهنية المتقدمة
"total brain volume weakly correlates with intelligence...brain size accounts for between 9 and 16 percent of the overall variability in general intelligence"
Christoph Koch, “Does Brain Size Matter?,” Scientific American Mind (January/February, 2016), 22-25.
Terrance W. Deacon “Problems of Ontogeny and Phylogeny in Brain Size Evolution” International Journal of Primatology, 11 (1990): 237-82
Terrance W. Deacon “What makes the human brain different?” Annual Review of Anthropology, 26 (1997): 337-57
Lars Chittka and Jeremy Niven "Are bigger brains better?" Current Biology VOLUME 19, ISSUE 21, PR995-R1008, NOVEMBER 17, 2009
المبحث الخامس: اللغة و الذكاء
يزعم التطوريون أن اللغة هى تطور لأنظمة التواصل الحيوانية و يستشهدون بقيامهم بتعليم القرود بعض الرموز و الاشارات و يتحايلون بالتركيز على أوجه التشابه البسيطة بين الانسان و الحيوان للحط من شأن الانسان و تقريبه من الحيوانات لاثبات التطور غير أن التحدى الحقيقى هو تفسير الفارق الضخم بين الانسان والحيوان فكما يشرح عالم اللغويات نعوم تشومسكى أن اللغة البشرية تتيح للفرد استخدام عدد غير محدود من التعابير الجديدة فى عدد غير محدود من السياقات المناسبة حتى لو كانت جديدة تماما على الانسان و مختلفة عن أى مواقف تعرض لها من قبل و فى المقابل يفهم المتلقى الرسالة لأنه يمتلك نفس القدرة المختلفة تماما عن أنظمة التواصل الحيوانى المرتبطة باشارت معينة فى مواقف معينة كالجوع أو التزاوج. ان استخدام اللغة نشاط ابداعى يحمل قدرة غير محدودة على التعبير عن معانى مختلفة و توليد مفاهيم جديدة و مجازات و استعارات و كما يقول جوناثان مارك : القردة تتعامل فى التجارب بنظام الرموز لأن الانسان علمها ذلك فهى لم تطوره من تلقاء نفسها و لا تتعامل به خارج التجربة فى الطبيعة [فسبحان الذى علم ادم الأسماء كلها]
Noam Chomsky, “Form and Meaning in Natural Languages,” in Language and Mind, enlarged edition (New York: Harcourt, Brace, Jovanovich, 1972), 100.
Jonathan Marks, What It Means to Be 98% Chimpanzee, 182.
بنفس الطريقة يقوم التطوريون بالحط من ذكاء الانسان و قدرته على فهم الكون فالذكاء مجرد ميزة تساعد على البقاء و التكاثر لكن لا تحمل أى الزام بمنحنا فهم حقيقى دقيق للواقع. داروين نفسه عبر عن الشك فى أى قناعة حول تطور العقل البشرى من حيوانات أدنى و هو ما يجعل نظرية التطور تنفى نفسها بنفسها فهى صادرة عن عقل تطور للبقاء و التكاثر و هو ما لا يستلزم فهم قوانين الكون و التعبير عنها رياضيا [و هذه الفرضية ظاهر خطأها للعيان اذ أننا نفهم الكون فعلا لا نتوهم ذلك بدليل أن اختراعاتنا تعمل مما ينفى أن ذكاءنامجرد تطور انتخابى للبقاء و تحضرنى هنا مقولة جاليليو ”الرياضيات هى اللغة التى كتب بها الاله الكون“]
المبحث السادس: الأخلاق و الايثار و الطيبة
وفقا لعلم النفس التطورى فان الايثار ليس قيمة خيرية و لكنه مجرد الية للبقاء فالتضحية تكون لحفظ الأقارب و بالتالى جينات الفرد التى يحملها أقاربه الذين ضحى من أجلهم أو يكون الايثار تبادليا أى أن المرء يقدم خدمة لغيره الان حتى يتلقى خدمة من غيره فى المقابل مستقبلا. ان الايمان بالفضيلة مجرد تكيف يساعد على التكاثر و الأخلاق و وهم خدعتنا به الجينات لتدفعنا للتعاون فتبقى المجتمعات و هكذا يظهر كل شئ بصورته الحقيقية. و الحقيقة أن مثل هذه التفسيرات تعانى من قصورين: الأول هو أن بناء تفسيرات علم نفس على أساس صحة نظرية التطور خطأ فى ضوء ضعف أدلة النظرية (و هم ما سنبينه لاحقا فى الكتاب). الثانى هو أن هذه التفسيرات تتعارض مع ما نراه من ممارسات خيرية وتضحيات من اخرين مع غير الأقارب دون نفع منتظر كما تتعارض مع ما نشعر به من أنفسنا بالضرورة و مزاعم التطوريين من طراز "لا أضحى من أجل واحد فقط من اخوتى لكن من أجل اثنين أو ثمانية من أبناء عمى لأن هذا يضمن استمرار الجينات" لا تخلو من ادعاء و افتعال واضح. هنا يتدخل علم النفس و علم الأخلاق التطوريين مجددا بايجاد دوافع تطورية للأخلاق و الايثار و التضحية :
1-الكذب و النفاق و الرغبة بادعاء الايثار لتغطية الرغبة فى تحصيل منفعة للنفس كالشهرة و الثناء أو الجنة
2-ميكانزم نفسى تطورى [على غرار الهلاوس و الضلالات] ليوهم الانسان بمشاعر الطيبة للتغطية على الدوافع النفعية التطورية للأخلاق لأنه على حد تعبيره "يكون أداء الممثل أفضل اذا كان مقتنعا بما يقوم به"
3-حال غياب أى منافع شخصية أو تطورية يتم عزو الطيبة الايثار الى خلل فى البرنامج التكيفى الجينى و سيعمل الانتخاب الطبيعى مع الوقت على التخلص من هذا البرنامج الوراثى غير النافع
Michael Ruse, “Evolutionary Ethics: A Defense,” in Biology, Ethics, and the Origins of Life, Holmes Rolston III, ed., p. 101 (Boston: Jones & Bartlett Publishers, 1995), 93
Michael Ruse and E. O. Wilson, “The Evolution of Ethics,” in Religion and the Natural Sciences: The Range of Engagement, ed. J. E. Hutchingson (Orlando, FI.: Harcourt and Brace, 1991), 310.
Edward O. Wilson, On Human Nature (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 1 978), 155-156.
James Rachels, Created from Animals: The Moral Implications of Darwinism (New York: Oxford University Press, 1990);
Robert Wright, The Moral Animal: Evolutionary Psychology in Everyday Life (New York: Vintage Books, 1994);
Leonard D. Katz, ed., Evolutionary Origins of Morality (New York: Norton, 1998).
Compare Benjamin Wiker, Moral Darwinism: How We Became Hedonists (Downers Grove, 111.: InterVarsity, 2002)
[باختصار تطوريا من عنده أخلاق و طيبة و ايثار اما كاذب منافق أو مريض نفسى موهوم أو معاق سيتخلص منه الانتخاب الطبيعى!!! حقيقة أنا عاجز عن فهم كيف يوفق الملاحدة بين انسانويتهم المزعومة و اعتراضاتهم الأخلاقية على الأديان و بين هذا الكم المرعب من القبح و التشوهات و تسفيه كل قيمة و خلق. يقول ول ديورانت فى كتاب قصة الفلسفة شارحا أفكار نيتشه الفيلسوف المؤسس لأفكار النازية و الذى كان متأثرا بالداروينية بشدة ”اذا كانت الحياة هى تنازع البقاء فالفضيلة هى القوة و النقيصة هى الضعف...ان ما نحتاج اليه فى الحياة [كمعركة بقاء] القوة لا الطيبة و الذكاء لا حب الغير و مساعدة الناس...ان المساواة و الديمقراطية مناقضة للانتخاب الطبيعى و بقاء الأصلح و القول الفصل فى كل الأمور للقوة و ليس للعدالة“...لقد أبدع الدكتور عبد الوهاب المسيرى الذى كان ملحدا يوما ما عندما وصف نيتشه بأنه ”أعلن الفضيحة كاملة“ فهو لم يأت بجديد-فقط اتسق مع متطلبات الداروينية من ناحية القيم و الأخلاق فجاء بهذا الطرح المتوافق معها ثم مات مجنونا فى النهاية
Formerly one sought the feeling of the grandeur of man by pointing to his divine origin: this has now become a forbidden way, for at its portal stands the ape, together with other dreadful beasts, grinning knowingly as if to say: no further in this direction
قديما كان الانسان يستشعر قيمته العظيمة بسبب أصوله الالهية أما الان فقد أصبح هذا الطريق مسدودا...فعلى بابه يقف القرد...و سائر الوحوش الأخرى و هى تبتسم قائلة: انتهى عهدكم بهذا الطريق
-فردريك نيتشه - فيلسوف تأثر بداروين و ساهمت أفكاره فى التأسيس للنازية
"Thus the weak members of civilised societies propagate their kind. No one who has attended to the breeding of domestic animals will doubt that this must be highly injurous to the race of man...hardly amy one is so ignorant as to allow his worst animals to breed"
Charles Darwin "Descent of Man" Vol. 1 P. 168
ان الضعفاء فى المجتمعات المتحضرة سينشرون نوعهم. لا أحد لديه خبرة فى تربية الحيوانات يشك فى أن هذا سيكون مضرا للبشر...لا أحد جاهل بما يكفى ليسمح لأسوأ حيواناته بالتكاثر
تشارلز داروين - أصل الانسان
هذا الفكر الاجرامى الذى بدأته نظرية التطور هو الذى قاد الى الجنون الذى سبق الحرب العالمية الثانية ليس فى ألمانيا النازية وحدها بل فى العالم أجمع...لا يجب أن يتكاثر الضعفاء لأن هذا يؤذى البشرية...لا يجب دعمهم أو مساعدتهم بأى شكل بل يجب منعهم من التكاثر...من هنا كان التعقيم القسرى الذى خضعت له الاف النساء فى أمريكا و أوروبا و الذى كان شكلا مخففا من القتل المباشر الذى قام به النازيون...من هنا كانت دعوات عدم مساعدة الفقراء و المرضى و المعاقين التى شاعت قبل أن تحول الحرب شعوبا كاملة الى فقراء و محتاجين و مرضى و معاقين...هذه هى الأخلاق التى تنتج عن أى اتساق مع نظرية التطور!!!
John West "Darwin Day In America: How Our Politics and Culture Have Been Dehumanized in the Name of Science" p.134-135
و قد فصلنا أكثر فى دور نظرية التطور فى الحربين العالميتين الأولى و الثانية و الحرب العالمية الثالثة التى تشنها النسويات على الأطفال فى مقال سابق عن الصورة النمطية و الخداع الاعلامى التطورى
و أخيرا بقى أن نقول أن الية الانتخاب الطبيعى ستستبقى من يحقق المنفعة الانية لنفسه لأنها عمياء لاتخطط للمستقبل بل تستبقى المنفعة الانية وفقا لتعريفها و بناءا عليه فمن المتوقع انتخابها للأنانى الغير متعاون الذى يحصل أكبر قدر من المنافع و الموارد لنفسه و هو ما سيتسبب فى انهيار المجتمع فى النهاية و هو ما لم يحدث كما نرى حولنا...و قد أشار الدكتور أحمد ابراهيم فى كتابه اختراق عقل الى عدد من الأبحاث العلمية القائمة على حقيقة أن الانتخاب الطبيعى دائما سيختار الفرد غير المتعاون الذى سيحصل المنفعة لنفسه لتطوير الية لعلاج بعض الأمراض بادخال أفراد معدلين وراثيا ليكونوا غير قادرين على التعاون و المشاركة الى جماعة البكتيريا فتنهار بسبب اختيار الانتخاب الطبيعى لهؤلاء الغير متعاونين :
Social evolution in micro - organisms and a Trojan horse approach to medical intervention strategies
و أيضا
Turning ecology and evolution against cancer.
و لتوضيح مفصل لعجز الية الانتخاب الطبيعى عن اختيار الأخلاق يرجى مراجعة أيقوانت التطور: السرطان t.ly/b2wl
]
المبحث السابع: قرد معدل أم تراب معدل
يعترض الدراونة على قصة خلق الانسان من تراب على أنها خرافة بينما هم فى الواقع يقرون أن الحياة [الخلية الأولى و بالتبعية الانسان] نشأت من مواد كيميائية غير حية فهل محل النزاع نوع المادة الأولى؟ ان محل النزاع الحقيقى هو مصدر تعديلات المادة الأولى الى كل هذه الكائنات ذكاء أم صدفة عمياء؟ ان المعنى المقصور من أغلب استخدامات كلمة "التطور" هو غياب التصميم الذكى و ليس هل مادة التصميم الخام كانت قردة أم تراب فى المقابل فان الايمان بوجود تصميم لا يستلزم تعديل تصميم سابق [سلف] بل قد ينشأ التصميم من العدم مباشرة الا أن محل الجدل مع التطوريين هو وجود التصميم ابتداءا من عدمه و ليس هل تم تنفيذه بالتدريج أم دفعة واحدة
[اضافة: فى عام 2018 قام نيل ديفراج بما قيل عنه أنه الخلية الاصطناعية الأكثر شبها بالخلية الحية حتى الآنوهى عبارة عن كبسولات من السيلكون بجدارها منافذ وبداخلها معادن من الطين لأن الDNA يرتبط بشدة مع الطين ثم تم إضافة الـ DNA و tRNA و ريبوسوم وإنزيمات بوليميراز RNA و الأحماض الأمينية وكل هذا وغيره تم نزعه من خلايا حية حقيقية ونقله إلى هذه الكبسولات وكان النجاح الذي سجلوه هو نشاط الـ DNA وإنتاج البروتينات التى بدأت فى الانتقال بين الكبسولات. واضح أن هذا ليس صنعا للحياة على الإطلاق كما يزعم البعض وإنما هو مجرد تغير للحاوية التى تعمل داخلها النواة أو الخلية.
-دكتور أحمد ابراهيم
]
[لكن الهدف من ذكر هذه التجربة هنا هو : لاحظ العلاقة الوثيقة بين الطين/الفخار clay و الحمض النووى - الورقة الثانية على Nature أيضا تشير الى مصادر أخرى تتحدث عن نفس العلاقة...ربما لن تجد أناسا يسخرون من هذا الكلام بعد أن ثبت تجريبيا لكن تجدهم يسخرون من شخص من 1400 عام قال أن الانسان أصله من طين أو صلصال كالفخار]
Comments