top of page
Search
Writer's pictureIllidan Stormrage

علم الأركيولوجيا و تاريخ النبوة



المبحث الأول: نفى تاريخ النبوة القديم

يزعم البعض أن ظاهرة النبوة حديثة نسبيا سبقت المسيح ب200 عام فقط و بالتالى لا يمكن أن تكون الهية لأنها لو كانت كذلك لكانت أقدم بكثير و شملت كل التاريخ البشرى و قد قدمنا فى الفصل السابق ما يفيد استحالة الجزم بعدم وجود ما لم تكتشفه الأركيولوجيا t.ly/3dMG و لكننا سنضيف هنا أن الشاهد الأركيولوجى نفسه ينفى هذا الزعم اذ يضم أرشيف ماري/تل حريرى نحو 60 لوحة تسبق المسيح بحوالى ألفي عام تنقل رسائل الأنبياء


Kenneth A. “On the Reliability of the old testament” p.384

و تحتوى هذه اللوحات على نصوص على غرار "فى المعبد قام نبى و قال كذا و كذا"


المبحث الثانى: دعوى اختلاق اليهود التوحيد فى عصور متأخرة


1-الدليل المباشر:


يزعم البعض أن اليهود لم يعرفوا التوحيد الا متأخرا و يطعنون بهذا فى تاريخهم الدينى بأكمله و أنه مختلق أو تم تأليفه أثناء السبى و من ثم ينطلقون الى ما وافقهم فيه القران زاعمين أنه بالتبعية مختلق و يعتمد كل هذا على كشوف أركيولوجية تشير الى عبادة الهة غير "يهوه" (اسم الاله لديهم) و الحقيقة أن هذا الأمر ليس فى حاجة الى كشوف أركيولوجية لينسج المؤدلجون حولها نظرية المؤامرة لأن التوراة نفسها ذكرت ضلال بنى اسرائيل و عبادتهم لالهة أخرى خاصة فى عهود بعض الملوك و نهى الأنبياء لهم عن ذلك (1 ملوك 16/ 31-33 ) (هوشع 8/ 5-6 ) (ميخا 1/ 7) و غيرها من النصوص الصريحة خاصة فى أسفار الملوك 1 و 2 التى لم تخفى شيئا لتكتشفه الأركيولوجيا لاحقا بل ان الأمر كان معلوما حتى ذكر ابن حزم فى "الفصل فى الملل و الأهواء و النحل" 1/ 143 أن بنى اسرائيل ارتدوا 7 مرات


أضف الى ذلك أن الشاهد الأركيولوجى ذاته يؤكد رواية التوراة من أن التوحيد الأصل و السابق و ما تلاه هو الانتكاس و الردة فمثلا وجد الأبحاث أن كثير من أسماء سكان الممالك العبرانية القديمة تدمج فيها اسم الاله "يهوه" كما يظهر فى نقوش الأختام من القرن التاسع قبل الميلاد (قبل السبي)


Amihai Mazar and Israel Finkelstein “The Quest for the historical Israel” p.175


Jeffrey Tigay “Israelite Religion: The Onomastic and Epigraphic Evidence” in “Ancient Israelite Religion”: p. 157-194

و الى جانب الأسماء و الأختام فقد درس باحثون اخرون اثارا فنية و نقوش و كتابات جدارية و خلصوا الى أسبقية التوحيد و أن ظهور علامات تعدد الالهة لاحق له خاصة فى القرن السابع قبل الميلاد


أما الأدلة المزعوم لنقض أصالة التوحيد من أوانى و تماثيل فمن البديهى ألا يوجد ما يقابلها لدى المؤمنون بيهوه اذ لديهم نهى فى الوصايا العشرة (خروج 20/ 4) يمنعهم من صناعة صور و تماثيل له. أضف الى ذلك أن أكثر التماثيل المستدل بها شيوعا تعود الى القرنين الثامن و السابع قبل الميلاد مما يدعم الرواية المستنبطة من الأسماء و الأختام و النقوش من كون التوحيد هو السابق (القرن التاسع قبل الميلاد) مؤكدا بذلك الرواية التوراتية أما التماثيل العائدة الى ما قبل ذلك الزمن فقليلة لا يمكن اعتبارها تمثل دين الجماعة كلها بل و يطعن بعض الباحثين فى كونها تمثل الهة أصلا كونها لا تحمل أيا من رموز الهوية المعهودة فى تماثيل الالهة


Benjamin D. Sommer “The bodies of God and the world of ancient Israel” p.151-154


Carol Meyers “Discovering Eve. Ancient Israelite women in context” p.162


2-الدليل غير المباشر:


يحتج البعض بغياب أى أشكال جديدة للأوانى الفخارية أرض كنعان فى القرن الثانى عشر قبل الميلاد (بعد نهاية التيه) و هو ما يتعارض مع دخول أمة جديدة على الأرض و هو استدلال ضعيف جدا لأن بنى اسرائيل كانوا أمة قليلة العدد قادمة من تيه صحراوى لم يكن لها فيه نمط صناعة أوانى أصلا بل اعتمدت أساليب حياة الترحال كحفظ السوائل فى قرب و عدم استخدام أوانى أو أدوات يمكن أن تنكسر مع كثرة الحركة و التنقل و من البديهى عندئذ مع دخولها الى أرض جديدة أن تتبنى الأنماط السائدة فيها. بل ينقل لنا أحد الطاعنين أنفسهم أن الأقوام الذين أتى بهم الغزو الأشورى نفسه تبنوا النمط الكنعانى السائد


فراس السواح "الحدث التوراتى و الشرق الأدنى القديم" ص 169


فان كان هذا ما فعلته الحضارة الأشورية فما بالك بقلة قادمة من ضعف و ترحال و تيه؟


3-الدليل التوراتى المزعوم:


و أخيرا يحاول البعض اجتزاء نصوص التوراة من سياقها للزعم بدلالتها على الشرك و الحقيقة أن النصوص التوحيد فى التوراة كثيرة مثل (تثنية 35/4) (مزمور 10/86) (مزمور 31/18) (اشعياء 6/44) (اشعياء (9/46) (تكوين 1/1) (ارمياء 11/10) (ملاخى 10/2) أما النصوص المجتزأة فغالبا تأتى فى سياق التقليل من شأن الالهة الزائفة التى تعبد من دون الله لا فى سياق اقرار تعدد الالهة.


المبحث الثالث: دعوى اقتصار النبوة على منطقة الشرق الأوسط


تزعم هذه الدعوى عدم وجود نبوات خارج الشرق الأوسط و بالتبعية تستنتج أن النبوة ظاهرة اجتماعية محلية و هى دعوى باطلة من عدة أوجه:


1-تقول الرواية الدينية بعكسها بوضوح و أن كل الأمم لها أنبياء (فاطر 24) و لكن ركز القران على ذكر أنبياء المنطقة فى اطار احتجاجه على الأحبار و الرهبان بما يعرفونه و أخفوه فى كتبهم عن العامة


وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ - فاطر 24


2-تؤكد الرواية الدينية أن معظم الأمم كذبت أنبياءها (يوسف 103 – هود 17 – الأعراف 101/102 – حديث "النبى و معه الرهيط و النبى و معه الرجل و الرجلان و النبى ليس معه أحد") ناهيك عن اتهامهم بالسحر و الجنون (الذاريات 52) و ما كانت الأمم لتحفظ أخبار من اعتبرتهم مشعوذين و مجانين و كذبة


وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ - يوسف 103

إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ - هود 17

وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ - الأعراف 101

وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ ۖ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ - الأعراف 102

كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ - الذاريات 52


عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ النبيُّ والنَّبيَّانِ يَمُرُّونَ معهُمُ الرَّهْطُ، والنَّبيُّ ليسَ معهُ أحَدٌ - مسلم 220 / البخارى 5705


3-يرجح البعض أن الكثير من الشخصيات الشهيرة كانوا أنبياء ثم حرفت رسالاتهم مع الوقت (كما حدث مع بعض من ثبتت نبوتهم أيضا) فمثلا ذهب ابن حزم الى نبوة زرادشت (الفصل فى الملل و الأهواء و النحل 91/1) و رجح الشيخ رشيد رضا أن المجوس و البوذيين من أتباع نبوات قديمة طرأ عليها التحريف [و ذهب بعض الباحثين كذلك الى وجود اشارات للنبوة فى بعض الكتب الهندوسية القديمة بين التحريفات]





4-كان التدوين فى عصور ما قبل المسيح حكرا بدرجة كبيرة على الملوك و رجالهم كما ناقشنا فى الفصل السابق و هؤلاء بدورهم لن يدونوا تاريخ المعارضة السياسية و الدينية خاصة مع صغر حجمها لقلة أتباع الأنبياء المروية بوضوح فى الخبر الدينى

5-بغض النظر عن من احتكر التدوين فان حفظ التاريخ بشكل عام كان ضعيفا لدرجة أن شخصية مركزية مثل زرادشت كثر أتباعها و تأسست حولها ديانة و دولة يختلف العلماء اختلافا ضخما حول تاريخ وجودها فى نطاق زمنى يصل الى ألف سنة من منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد الى منتصف الألفية الأولى فكيف بمن لم يبلغوا معشار هذا التأثير


Prods Skjaervo “Zorostarian Dualism” in Lange, Meyers and Reynolds “Light Against Darkness” (2011) p.81


6- يتفق الباحثون أن المنطقة قد عرفت فى تلك الفترة أكبر مظاهر الحضور المدنى و نشأة الحضارات الكبرى فى العالم و من البديهى أن توازى كثرة الأنبياء كثافة الحضور البشرى و المدنى


المبحث الرابع: انكار النبوة و المعجزات فى الرؤية الطبيعانية

ان الأركيولوجيا كأى مجال بحثى علمى اخر لا تبدأ من الصفر و لا تعمل فى الفراغ بل تنطلق من مقدمات معرفية و مسلمات فلسفية يلتزم بها الباحثون حتى لو أدت الى تفسيرات سخيفة و تأويلات بعيدة و الفلسفة الطبيعانية السائدة اليوم تبدأ بانكار كل ما هو دون الطبيعة ثم تنطلق فى أى بحث أو تفسير أو تأويل من هذا المبدأ الباطل و لهذا فمن البديهى ألا تنتج سوى تفسيرات منكرة للنبوة و الدين و المعجزة مهما كانت هذه التفسيرات متعسفة و مبالغ فيها. [و قد رأينا أمثلة على هذا أثناء استعراض الكتب النقدة لنظرية التطور و كيف يقود الالتزام المسبق بتفسير كل الأدلة داروينيا الى مستحيلات حسابية و عقلية و ربما نتعرض لأمثلة أخرى مستقبلا عند استعراض المحاولات البائسة لتفسير الضبط الدقيق طبيعانيا]


ان الايمان بالنبوة و الدين و المعجزة فرع من الايمان بوجود اله يخلق من العدم أنشأ الكون و قوانينه و بالتالى قادر على خرقها أو اعادة تنظيمها متى شاء [تخيل لو أنك مبرمج تعمل على برنامج محاكاة Simulation لمدينة ثم قمت بتطوير برنامج ذكاء صناعى و بثه فى محاكاة أشخاص المواطنين...من نطاق رؤية و ادراك برنامج الذكاء الصناعى فهو محكوم باطار حتمى من القوانين لا يتغير لكن الحقيقة أنك أنت كمبرمج للمحاكاة قادر ببضع ضربات على لوحة المفاتيح أن تغير و تعدل كل القوانين و النظم فى البرنامج و التى تبدو حتمية لمن هم داخله...و لله المثل الأعلى] و اذا كانت المعجزة هى "خرق أو اعادة هيكلة" لقانون فانها بداهة خارج نطاق عمل أى علم بما فى ذلك الأركيولوجيا لأن كل الأبحاث العلمية تحدث فى اطار القوانين لذا فلا معنى لمزاعم من طراز "لا يوجد أثر لانشقاق البحر أو لنزول المن و السلوى من السماء" لأن عدم وجود اثار للخوارق هو الطبيعى و ما دونه هو الاستثناء [هذا على التسليم الجدلى بأن السير فى سيناء بقافلة سيارات يعتبر مجهود بحثى كافى لايجاد بقايا طيور تم أكلها من بضعة الاف من السنين!!!]


Eric Cline “From Eden to Exile: Unraveling musteries of the bible” (2012) p.90


سامى عامرى "براهين النبوة – المعجزة و امكانها عقلا و الرد على هيوم و اسبينوزا" 45-63


[تعقيب شخصى: ما سبق من كلام حول الخالق المتحكم فى القوانين و الذى يخلق من عدم يمكن تطبيقه على أمثلة عديدة أخرى بما فى ذلك جدلية ناسا و انشقاق القمر الشهيرة سواءا للمثبتين أو النافين]

70 views0 comments

Comments


Commenting has been turned off.
Post: Blog2_Post
bottom of page