top of page
Search
  • Writer's pictureIllidan Stormrage

العلم و حقائقه 11: علم الأجنة بين القران و الكتاب المقدس

Updated: Aug 14, 2022


تمهيد: الثقافة العلمية زمن البعثة


كانت مكة تضم طائفة أمية من العرب لا خبر علمى لهم فى مسألة الأجنة لذا فان مصادر مثل هذا الخبر زمن البعثة هى التراث اليونانى من جهة و الكتاب المقدس و التلمودين البابلى و الأورشليمى من جهة أخرى اذ أن أول كتاب عبرى فى هذا الصدد ما جمعه أساف فى القرن السابع أى بعد البعثة. ومن الملاحظ أن تأثير هذين التراثين بشكل عام فى الأمة الاسلامية كان مما حاربه أهل الدين فمثلا رد علماء الاسلام منذ القدم عددا من الأحاديث المنسوبة الى النبى صلى الله عليه و سلم لأنها مختلقة أو وهم من الرواة منقول من تراث أهل الكتاب السائر بين الناس فى القرون الهجرية الأولى مثل حديث عطاء ابن السائب القائل بنشأة بعض الأعضاء من ماء الرجل و البعض الاخر من ماء الأنثى و هو فى الواقع أثر تلمودى و عطاء ابن السائب لدى علماء الحديث "صدوق اختلط باخره" [أى عندما كبر سنه اختلطت عليه الاثار و الروايات فقد كان علماء الحديث يقيمون ما يشبه الاختبارات للحفاظ]


المبحث الأول: نشأة الجنين فى الكتاب المقدس و التراث اليهودى النصرانى:


يعكس هذا التراث ثقافة الأمم القديمة فى مسألة الأجنة بل و يزيد عليها بمقولات أخرى خاطئة و من أمثلة ذلك:

1-مراحل تطور الجنين: ينقل سفر الحكمة 2/7 ما قرره الطب اليونانى القديم من نشأة الجنين من دم الحيض و يفسر سفر أيوب 10/ 9-11 الأمر نفس التفسير الشعبى القديم الذى نقله أرسطو فى كتابه "حول ولادة الحيوانات" من أن منى الرجل يجمد دم الحيض المختزن بطريقة شبيهة بتخمير الحليب بل و أقرت الترجمة الرهبانية اليسوعية هذا المعنى الفاسد علميا ص1065 كما أقرته ترجمة أورشليم للكتاب المقدس ص 664 و أقرته مصادر أخرى. أخطأ نص أيوب 11/10 كذلك بجعل العظام و الأعصاب بعد الجلد و هو خطأ فى الترتيب كما تكرر زعم تكون الجنين من دم فى انجيل يوحنا 13/1


2-الوليد الأحول: كانت الثقافة اليهودية التى يفترض أن الاسلام نقل منها تقول أن اتيان المرأة بطريقة معينة يؤدى الى ولادة طفل أحول و هو زعم فاسد خالفه القران و صححه فى القرة 223 "فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ"


المبحث الثانى: نشأة الجنين فى القران و السنة:


جاء خبر نشأة الجنين فى:

الانسان 2 "إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا"

و السجدة 8 "ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ"

و القيامة 37-39 "أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَىٰ.ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ.فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَىٰ"

و المؤمنون 12-14"وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ.ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ.ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ"

و الحج 5 "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ"

و هذه النصوص تخالف منطوق الكتاب المقدس و توافق العلم و بيان ذلك كما يلى:


1-أصل الجنين: يخالف القران بوضوح التصور التوراتى/الأرسطى اليونانى فلا يذكر أى دور لدم الحيض فى الموضوع بل يتكون الجنين من نطفة أمشاج أى من امتزاج نطفتى الرجل و المرأة و يؤكد هذا المعنى حديث نبوى صريح يقول أن أصل الانسان من ماء الرجل و ماء المرأة: "ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله" [و سيتم تناول الاعتراضات المزعومة على هذا الحديث لاحقا فى الفصل لكن نكتفى بايراده هنا للتأكيد على أن أصل الجنين فى الاسلام امتزاج النطفتين "النطفة الأمشاج" لا دم حيض المرأة.]


2-مستخلص ماء الرجل: يذكر القران "سلالة من ماء" و سلالة من جذر "سلل" و قد قال ابن منظور فى لسان العرب مادة "سلل" “المضى و الخروج من مضيق أو زحام" و هو ما ينطبق على ضيق و تزاحم الحيوانات المنوية (من 20 مليون الى 100 مليون فرد فى الميلمتر) تتنافس و تتزاحم للوصول الى البويضة فلا يظفر الا واحد. بالاضافة الى ذلك جاءت "من" للتبعيض" أى أن التكون لا يكون من كل الماء فكما ذكرنا سابقا الحيوانات المنوية تتنافس على الوصول الى البويضة فلا يصل الا واحد و يؤكد هذا المعنى الحديث النبوى "ما من كل الماء يكون الولد"


معارضات:


ينفى البعض الاعجاز معتمدين على أن التلمود البابلى قال أن الانسان لا يتكون من كل القطرة بل من أنقى جزء فيها [و بعيدا عن أن مزاعم امكانية النقل من التلمود سيتم تفنيدها بشكل مفصل لاحقا فى هذا الفصل و بشكل أكثر تفصيلا فى كتاب "هل القران مقتبس من كتب اليهود و النصارى؟" ان شاء الله] نكتفى هنا بالقول أن القران خالف خبر التلمود فى مسائل تشكل الجنين من دم الحيض و غياب دور نطفة المرأة فى العملية فتنتفى شبهة النقل كما أنه لم يذكر النقاء من عدمه أصلا


3-أخلاط فى الماءين: وصف القران خليط ماء الرجل و المرأة بأنه أمشاج فى صيغة الجمع أى أن مجموع ماءيهما مركب من أخلاط كثيرة و العلم الحديث يعلم أن كيان الحيوان المنوى و البويضة المحاطة بالسوائل معقدين و فيهما عضيات كثيرة


4-العلقة: تقول الايات أن بعد اختلاط نطفة الرجل بنطفة المرأة تأتى مرحلة العلقة و هذه الكلمة قد تشير الى قطعة الدم المتجمد أو الشبه بدودة العلق أو أنها تعلق بالرحم و هذه المعانى الثلاث كما يلى:


أ-قطعة الدم المتجمد: يفسر الامام القرطبى العلق 2 "خلق الإنسان من علق" بأنه الدم الجامد و هو وصف دقيق لأن الدم فى هذه المرحلة جامد لا يتحرك اذ تبدأ حركة الدم مع نهاية الأسبوع الرابع و قد اعترض البعض بأن علم الأجنة لا يتبنى توصيف blood clot أى جلطة دموية و الرد ببساطة أنه الى جانب كون التوصيف دقيق علميا بغض النظر عن اختيار المصطلح المعبر عنه فاننا نجد مصطلح blood clot فى الصفحة الرابعة من كتاب أطلس علم الأجنة:

Pathology of the human embryo and previable fetus: an atlas, 2013


ب-العلوق بجدار الرحم: و هو وصف دقيق علميا اذ فعلا يكون الجنين عالقا على جدار الرحم بواسطة الخلايا الاكلة trophoblasts و شعيرات دقيقة chorionic villi و اليات أخرى و لما عجز المعارضون عن ايجاد خطأ هنا زعموا أنها دعوى من مسلمى القرن العشرين لاثبات موافقة القران لمعارف العصر [و بغض النظر عن أن فرضية اكتشاف مسلمى القرن العشرين لهذا التوافق بين القران و العلم لا تسقط عنه صفات السبق و الاعجاز و أن عدم اكتشاف السلف له بسبب قصور أدواتهم العلمية لا تطعن فى حقيقته] الا أن بعض علماء الاسلام الأوائل قد خمنوا هذا المعنى من الاية قبل اكتشافه علميا بقرون كالماوردى المتوفى 450 ه فى "النكت و العيون" 48/4 و ابن الجوزى المتوفى 507 ه فى "زاد المسير" 223/3 و الأصفهانى المتوفى 502 ه فى "المفردات فى غريب القران" ص 580 و ابن فارس المتوفى 395 ه فى "مقاييس اللغة" 4/ 125-126


ت-دودة العلق: قال ابن عاشور أن من اعجاز القران تسمية هذا الشكل بالعلقة فهو يماثلها شكلا و سلوكا فالديدان العلقة تمتص دم غيرها لتتغذى كما يفعل الجنين بدم الأم و مرة أخرى يعترض المعارضون بأنها دعوى حديثة [و من جديد نكرر أن اكتشافها فى زمن حديث لا ينفى صحتها و اعجازها] و لكن هذا أيضا غير صحيح فابن كثير المتوفى 774 ه قبل عصر المجهر ذكر نفس المعنى للكلمة فى تفسير القران العظيم 466/5


معارضات::


1/4-يعترض البعض بأن الجنين فى مرحلة العلق لا يتكون من دم جامد فقط خاصة أن الحويصلة السرية yolk sac أكبر أجزاء الجنين و هى ليست دما و الرد من وجهين. أولا هذه الحويصلة علميا ليست جزءا من الجنين بل شاء ملتصق به يحميه و يغذيه و تصنف من الأعضاء الخارج جنينية extraembryonic ثانيا وصف الصحابى ابن عمر فى روايته لتعاليم الرسول صلى الله عليه و سلم الكبد و الطحال بأنهما دم "أحلت لنا ميتتان و دمان" مما يدل على أن لسان العرب يصف الشئ بأنه دم اذا غلب عليه ذلك أو كثر فيه حتى لو لم يكن كله دم ويؤكد هذا المعنى كلام بعض المفسرين كالطبرى عن ابن زيد فى "جامع البيان عن تأويل اى القران" 298/23 فى تفسير الأطوار فى نوح 14 "وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا" بأن الدم يغلب عليها


2/4-الجنين يكون معلقا بالرحم طوال الوقت فلا معنى لتسمية مرحلة بعينها بالعلقة و الجواب أنه الى جانب كون العلقة لا تشير فقط الى التعلق بل الى دودة العلق و الدم المتجمد كما وضحنا فان الماوردى المتوفى 450 ه ذكر أن تسمية العلقة نسبة الى الصفة التى جدت/طرأت فى هذه المرحلة و لم تكن موجودة من قبل ثم تبرز بعدها صفات أخرى تكون مميزة للمراحل و الأطوار التالية [و كما بينا فى النقطة الأولى فان لسان العرب قد يسمى الشيء بما يغلب عليه]


5-المضغة: المضغة فى لسان العرب اما قطعة لحم أو ما يكون فى قدر أو صورة ما يمضغ من الأنسجة اللينة و الناظر فى حال الجنين فى هذه المرحلة يجد ظهور الأنسجة الميزانكيمية اللينة mesenchymal tissues و التى تعينه على الانطواء على نفسه فى شكله المميزكما يزداد حجمه عن المرحلة السابقة فيصير فى حجم المضغة و يكون منحنيا تظهر فيه الفلقات المشابهة لاثار الأسنان فى الأشياء الممضوغة

6-كسوة العظام لحما: تظهر العظام منذ الأسبوع الخامس و النصف على شكل غضروفى ثم تكسى باللحم و فى ذلك يقول كتاب The Fundamentals of human embryology ص 148 :”بعد فترة وجيزة من انشاء النماذج الغضروفية للعظام تتجمع الخلايا myogenic cells و التى أصبحت خلايا مولدة للعضلات myoblasts لتشكيل كتل العضلات على الجوانب البطنية و الظهرية للأطراف" و هو ما يتوافق مع المؤمنون 14 "فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا"


معارضات:


1/6-العظم يكون فى بدايته غضروفا فلا يصح تسميته عظما و الجواب: فى لسان العرب الغضروف عظم لين و ذكر ذلك ابن منظور و الفيروزابادى المتوفى 817 ه


2/6-القران أخطأ بقوله أن الهيكل العظمى ينشأ أولا ثم ينشأ اللحم بينما فى الواقع العلم يقول أنهما ينشاّن معا و الجواب: أولا القران واضح جدا فى استخدام لفظ الكسوة لا النشأة و كسوته هى تشكل و انتظام الألياف العضلية المحيطة به و هو ما يحدث فعلا بعد النشأة. ثانيا علميا تتمايز خلايا الجنين بالترتيب التالى: تظهر somites ستكون منها الجسد ثم تتمايز الى sclerotomes ستكون منها العظم و dermatomytomes و التى بدورها تتمايز بعد ذلك الى dermatomes المكونة للجلد و myotomes المكونة للحم و يظهر من هذا الترتيب بوضوح تمايز خلايا العظم قبل تمايز خلايا اللحم من خلايا الجلد كما تهاجر خلايا العظم الى مواقعها قبل هجرة خلايا العضلات التى ستحيط بها


3/6- القلب يبدأ النبض من اليوم 21 و هو ما يؤكد نشأة اللحم قبل العظم و الجواب: نفس ما ذكرناه سابقا من وضوح اللفظ القرانى المتحدث عن كسوة العظام لا مطلق نشأة اللحم و نضيف أن هذا الاعتراض فى الواقع يتحول الى دليل سبق علمى و اعجاز بالنظر الى الحج 5 "مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ" و التى تذكر بوضوح أن المضغة و هى المرحلة السابقة للعظام كما فى المؤمنون "فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا" تكون مخلقة و غير مخلقة فالقران أثبت تخليق بعض الأعضاء قبل مرحلة العظم.


4/6-جاء فى الحديث النبوى أن الانسان يجمع خلقه فى بطن أمه 40 يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا لينفخ فيه الروح و هذا مخالف للعلم من وجهين الأول أن المنى (النطفة) يبقى حيا فى الجهاز التناسلى للأنثى أقل من أسبوع و ليس 40 يوما و الثانى أن مجموع هذه المدد 120 يوما بينما تنتهى مرحلة المضغة قبل ذلك بكثير و الجواب: أولا رواية البخارى و مسلم الصحيحة لا تحتوى على كلمة "نطفة" بل هى زيادة شاذة فى مسند أبى عوانة اذن فالرواية الصحيحة لا تقول ببقاء النطفة (المنى) 40 يوما بل تقول أن جمع الخلق 40 يوما. ثانيا: رواية مسلم فى كتاب القدرح/2643 ذكرت لفظة "يكون فى ذلك" مع العلقة و المضغة أى أنه يكون علقة و مضغة فى ال40 يوما نفسها المذكورة لجمع الخلق "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ في ذلك عَلَقَةً مِثْلَ ذلك ثُمَّ يَكُونُ في ذلك مُضْغَةً مِثْلَ ذلك" و الذى يحسم المسألة تماما ورود حديث نبوى صريح فى رواية مسلم كتاب القدر ح/2645 يقول "إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها" و هو نص صريح فى أن مراحل النطفة و العلقة و المضغة تكون قد انقضت بعد حوالى 40 ليلة و ليس 120 ويبدأ الجنين فى أخذ صورته الانسانية الأولى بظهور الجلد و اللحم و العظم و العيون و الاذان و هو التفسير الذى ذهب اليه ابن الزملكانى المتوفى 727 ه للحديث محل الاعتراض فى ضوء باقى النصوص


المبحث الثالث: المصادر المزعومة لعلم الأجنة فى القران و السنة


يزعم المعترضون أن الخبر العلمى عن الأجنة فى القران غير معجز لأنه مقتبس من التراث اليهودى الموجود فى التلمود و التراث اليونانى لأرسطو و جالينوس الذى وصل بشكل ما لأمى وسط أمة من الأميين قبل عصور تبادل المعلومات و الطباعة و الرد كما يلى:


1-التلمود: لم يكن التلمود معربا زمن البعثة و لم يعرب كاملا فى 2011 فى 20 مجلد و خبر علم الأجنة فيه متفرق فى عدة أماكن بما يجعل الاحاطة به عسيرة على الأحبار أنفسهم. أضف الى ذلك أن عامة التراث التلمودى فى خبر الأجنة مخالف للعلم كبداية تشكل الجنين من الرأس أو السرة و تأخر تشكل الأنثى عن الذكر و حدوث التخليق نهاية الشهر الثالث و كلها أشياء لم ينقلها القران برغم عدم ظهور مخالفتها للعلم فى ذلك العصر و ما نقل من مخالفات العلم فى الأحاديث مرده الى الوضاعين الذين نقلوا من التراث اليهودى أو وهم الرواة و اختلاطهم كمثال عطاء ابن السائب المذكور فى بداية الفصل و قد رد علماء الحديث هذه النماذج منذ القرون الأولى


2-أرسطو: كان التراث الأرسطى مهيمنا فى مجال علم الأجنة حتى القرن ال17 لذا فهو الأرجح كمصدر يونانى للخبر العلمى و لكنه مخالف للقران و العلم اذ يزعم أن الجنين يتكون من دم حيض المرأة الذى يقوم ماء الرجل بتخثيره


3-جالينوس: زعم المعارضون اقتباس القران من تقريرات جالينوس فى علم الأجنة و لكنهم تجاهلوا أخطاءه التى لم يكررها القران بل صحح بعضها مثل زعمه أن ماء المرأة مجرد طعام يأكله ماء الرجل و قوله بمساهمة دم الحيض فى نشأة الجنين و انكاره للنشأة من اختلاط الماءين (النطفة الأمشاج) بل و قوله بنشأة بعض الأعضاء من ماء الرجل فقط و الأخرى من دم حيض المرأة و زعمه أن الجنين الذكر أسرع نموا من الأنثى و أنه يكون يمين الرحم بينما الأنثى تكون شماله.


المبحث الرابع: تفسير مشابهة الطب اليونانى بعض الخبر القرانى


يحاول البعض استخدام وجود تشابهات بين القران و بعض اجتهادات اليونان كبرهان على الاقتباس متجاهلين المخالفات السابق ذكرها و أيضا متجاهلين أن ما جاء التوافق فيه أمور بدهية فمثلا قول اليونان بمساهمة منى الرجل فى احداث الحمل أمر بدهى يمكن استنتاجه بسهولة من الممارسة و قولهم بنشوء الجنين على مراحل و ليس دفعة واحدة أيضا بدهى لأن الناس لا يرون عندما تسقط المرأة حملها مبكرة انسانا صغيرا أمل الامتحان الحقيقى فهو فى الأمور التى حار فيها العقل القديم الذى لم يتسلح بالمايكروسكوب.


1-مقدار التشابه و الاختلاف: أجمع أهل الكتاب و اليونان على تفسير انقطاع دم الحيض بأنه يقوم بتكوين دم الجنين و أن نطفة الرجل تجمده فقط و خالف القران هذا صراحة بالقول بأن التكوين من "نطفة أمشاج" أى أخلاط النطفتين و قال فى ذلك ابن حجر المتوفى 852 ه فى" فتح البارى" 480/11 أن أهل التشريح يزعمون تكون الجنين من دم الحيض و أحاديث الباب تبطل ذلك كما كرر القرطبى المتوفى 671 ه نفس المعنى فى "الجامع لأحكام القران" 343/16 فى سياق الرد المسلمين الذين تعصبوا لتراث اليونان على حساب القران


2-امكان الاقتباس: اذا كان القران مقتبسا فلماذا لم يقتبس من تراث أرسطو الذى كان أكثر انتشارا و تأثيرا من تراث جالينوس [و أكثر خطأ كذلك] خاصة و قد تبناه العهد القديم و النصارى السريان المتاخمين لبلاد العرب؟ و اذا كان اقتبس من جالينوس فلماذا اقتبس ما أصاب فيه فقط و خالفه فى ما أخطأ فيه برغم عدم معرفة كونه خطأ وفقا لعلوم هذا العصر؟ كيف حدث الاقتباس فى بيئة أمية لا نصيب لها من العلم أو القراءة و الكتابة خاصة و أن أول مترجم كبير لكتابات جالينوس حنين ابن اسحاق المولود بعد قرنين من وفاة النبى صلى الله عليه و سلم؟ حاولت الكتابات التنصيرية و الالحادية تجاوز هذه العقبة بزعم أن الخبر القرانى عن الأجنة جاء عن طريق الحارث ابن كلدة الذى درس الطب فى مدرسة جنديسابور و بغض النظر عن أن هذا الزعم لا يبرر مخالفة القران لهذا التراث العلمى فى أخطائه الا أنه فى حد ذاته زعم باطل فقد نفى عدد من مؤرخى العلوم و الطب وجود هذه المدرسة المزعومة كمؤرخ العلوم الأمريكى ديفيد لندبرج فى كتاب The beginnings of western science ص 164-165 و مؤرخ الطب روى بورتر فى كتاب A medical history of humanity ص 94 و مؤرخ العلوم العربية جورج صليبا فى مراجعته A review of the Encyclpaedia Iranica ص688-689 ناهيك عن أن أشهر ما يروى فى خبر ابن كلدة يعود الى المرحلة المدنية قرب وفاة النبى صلى الله عليه و سلم بينما نزلت ايات خلق الأجنة فى مكة.


و الخلاصة أن القران قد وافق معارف عصره الصحيحة مع أنها كانت مشتتة بين مؤلفات كثيرة ضخمة غير معربة مع أن كاتبه المزعوم كان أميا فى بيئة أمية و تحاشى أخطاء علوم عصره اليونانية و الكتابية و صحح بعضها مع أن موافقة أهل الكتاب كانت أقرب لدعوتهم و تأليف قلوبهم و خالف الجميع فى تكون الجنين من دم الحيض مما ينفى شبهة النقل تماما.


المبحث الخامس: هل فى القران و السنة أخطاء فى علم الأجنة؟


الى جانب الاعتراضات الرئيسية التى تم ايرادها و الرد عليها أثناء مناقشة الفصل نورد الان بعض الاعتراضات الشائعة الأخرى


1-سبب التذكير و التأنيث: جاء فى الحديث أن ماء الرجل و المرأة اذا اجتمعا فسبق منى الرجل منى المرأة يكون المولود ذكر و اذا سبق منى المرأة منى الرجل يكون أنثى و هذا خطأ علمى مقتبس من التلمود و الرد: أولا هذا النص عكس دعوى التلمود فقد جعل سبق الرجل يؤدى الى ميلاد أنثى. ثانيا الحديث فى رواية مسلم باب "بيان صفة الرجل و المرأة و أن الولد مخلوق من مائهما" ح/315 بلفظ علا و ليس سبق"علا منى الرجل منى المرأة اذكرا" و هو اللفظ الأرجح لأن أول الحديث هو اجتماع المائين و الاجتماع لا يكون بالسبق [و العلو فى اللغة قد يعنى الارتفاع أو التفوق أو الغلبة] و هذا المعنى صحيح علميا تماما فماء الرجل قاعدى أو يميل للقلوية بينما ماء المرأة يميل للقاعدية و الحيوان المنوى الحامل للصبغية الذكورية chromosome Y احتمالات حياته و تلقيحه للبويضة تكون أعلى فى الوسط القلوى وأقل فى الحمضى لذا ينصح الأطباء بأغذية معينة للتأثير على درجات قلوية الماء لمن يريد ذكورا

2-تفسير الشبه:جاء فى الحديث أن ماء الرجل و ماء الكرأة منهما يكون الشبه فأيهما علا يكون منه الشبه و هذا كلام غير علمى و الجواب: بل هو علمى تماما فالنطفة تحمل المعلومات الجينية من صاحبها/صاحبتها و بالتالى هى التى تحدد الشبه و كما سبق وضحنا فالعلو هو التفوق و الغلبة فعندما تأتى المعلومة الجينية فى نطفة المرأة بصفة و لتكن مثلا عين خضراء و فى نطفة الرجل بصفة مختلفة مثلا عين زرقاء فيجب أن تغلب احداهما الأخرى و هو ما يعرف علميا بالصفة الوراثية الغالبة أو المهيمنة dominant allele


3-زمن تحديد الجنس: يخبر الحديث النبوى أن جنس المولود يتحدد فى اليوم 42 بينما يخبرنا العلم أنه يتحدد فور تلقيح البويضة و الجواب: أن الحديث المذكور فى الاعتراض الأول ذاته يقول بوضوح أن ماء الرجل و المرأة اذا اجتمعا تحدد جنس المولود بعلو أحدهما على الاخر و هو تصريح واضح بتحديد الجنس منذ مرحلة النطفة الأمشاج (اجتماع المائين) أما الحديث المذكور فنصه "إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ثم سأل الله أذكر أم أنثى؟" أى أن الكلام عن مرحلة التصوير و تخليق الأعضاء و الأجهزة و ليس تحديد الجنس ابتداءا


4-نفخ الروح: جاء فى الحديث أن نفخ الروح يكون بعد 40 يوما و هذا خطأ لأن الحركة و النمو ثابتان للجنين قبل ذلك و الجواب ببساطة أن هذا اعتراض غير علمى أصلا فالروح ليست من مسائل العلم و لم يربطها الاسلام بحركة أو نمو فالنبات مثلا ينمو دون أن تكون له روح.


5-هل المنى من الصلب و التراب؟: الطارق 6-7 "خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ" تزعم أن المنى بين الصلب و الترائب و هى دعوى باطلة علميا و الجواب: من المفسرين الأوائل من جعل الياء فى "يخرج" عائدة على الانسان لا المنى كابن عطية المتوفى سنة 541 ه و القرطب المتوفى 671 ه و لفظ الاية هو الخروج "من بين" و ليس "من" الصلب و الترائب و الترائب كما قال ابن عطية و ابن جبير و مجاهد هى الصدر و الصلب فى لسان العرب هو جهة الظهر من الانسان كلها أو بعضها أو عظمة الظهر (العمود الفقرى) كلها أو بعضها كما ذكر ابن منظور فى لسان العرب مادة "صلب" و مادة "ظهر" و هذا فعلا هو موضوع الجنين الذى يخرج منه كما هو موضح فى الصورة أدناه





6-أصل المنى من الصلب أم من الحقو؟: يقول القران فى النساء 23 "أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ" أى أن المنى يخرج من الظهر و هذا خطأ مقتبس من جالينوس فهو يخرج من الخصيتين و الجواب: أولا سبق أن رددنا على فكرة النقل من التراث اليونانى و جالينوس لكن نضيف هنا أن جالينوس قال أن المنى يأتى من الدماغ مرورا بالأذنين و العنق و العمود الفقرى فالمصدر عنده الدماغ و لكن من ينقل الكلام ينقله مبتورا ليوحى باقتباس القران منه

ثانيا سبق أن وضحنا معنى الصلب فى لسان العرب فى النقطة السابقة و قد جاء فى الأعراف 172 "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ" و هو تكرار لفكرة أخذ الذرية من الظهور و الأصلاب و العلم الحديث يخبرنا أن الماء المنوى يتكون فى seminal vesicles قريبة من العصعص أسفل العمود الفقرى و منها يخرج المنى عند القذف لا من الخصية و الحيوانات المنوية الخارجة من الخصية تمر اليها لتختلط بماء المنى قبل القذف و بالتالى فالاشارة القراّنية سليمة 100% خاصة أن العرب ما كان لديهم علم تشريح حتى يكون لديهم علم بال seminal vesicles أو مسمى لها بالعربية فجاءت الاشارة الى المنطقة بما يقاربها من عظام.


7-و يعلم ما فى الأرحام: يقول القران فى لقمان 34 "إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ" أى أن الله استأثر بمعرفة جنس الجنين و أنه غيب و هذا خطأ فالطب اليوم قادر على معرفته و الجواب أن الاية لم تحدد جنس الجنين بل قالت "ما" فى الأرحام و قد روى البخارى فى كتاب التوحيد باب عالم الغيب 7379 الحديث النبوى عن مفاتح الغيب و فيه "لا يعلم ما تغيض الأرحام الا الله" و قال الأصفهانى فى "المفردات فى غريب القران" ص 619 “ما تفسده الأرحام" و قال بعض السلف "سقط الأجنة قبل تمام خلقها و هلاكها فى الرحم" و قال بذلك الحسن البصرى فى تفسيره ج2 ص51 و نقله أبو حيان الغرناطى عن الضحاك فى تفسير البحر المحيط 5/ 369-370 كما نقله الطبرى عن ابن عباس و قتادة فى "جامع البيان" 8/109 -112 و من هذا يتضح أن العلم المقصود ليس علم جنس الجنين بل علم هل سيتخلق إلى الطور الذي يليه أم يهلك، وتغيض به الأرحام فالعلم بغيض الأرحام يعني: أن العلم بمستقبل تخليق أطوار الأجنة الأولى، من طور إلى طور، هل هي هالكة أم مخلقة؟ غيب لا يعلمه إلا الله وحده؛ وهذا يعني أن مشيئة إنشاء إنسان جديد من عدمه، في علم الله وحده. [أضف الى ذلك أن نفس حديث جمع الخلق فى 40 المذكور أعلاه فى 4/6 تضم تكملته ردا واضحا اذ تقول: ثم يُرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ، ويُؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد - أى أن علم الأرحام ليس قاصرا على الجنس]



151 views1 comment

1 comentário


Os comentários foram desativados.
futuredoctor333
08 de abr. de 2021

🔸شرح أحاديث تحديد نوع الجنين والشبه بالتفصيل :🔽pdf🔽 https://drive.google.com/file/d/1rUN9WOOkiGqmx3GBVIzydHTcg6PVrHym/view?usp=drivesdk

Curtir
Post: Blog2_Post
bottom of page