تصدق الأدلة الأركيولوجية بوضوح الخطوط العامة للرواية التوراتية عن المملكتين الشمالية و الجنوبية لبنى اسرائيل كما استعرضنا سابقا عند الحديث عن حجية التوراة التاريخية t.ly/dyNa و لذلك فان نفى وجود مملكة موحدة سابقة عليهما (و هى مملكة داود و سليمان) غير منطقى من حيث المبدأ حتى اذا افترضنا جدلا غياب الأدلة الأركيولوجية عليها ببساطة لأن المنطقى لأمة ذات دين و عرق واحد أن تبدأ بوطن واحد ثم قد يأتى الانقسام لاحقا أو لا يأتى لا أن تبدأ بوطنين. الا أننا لن نكتفى بالسيناريو الأقرب للواقع بل سندعمه أيضا بالأدلة الأركيولوجية فهى ليست غائبة كما يصور البعض
المبحث الأول: الوجود التاريخى لداود و سليمان
1- نقش تل دان:
نقش تم العثور عليه فى التسعينات يخلد ذكرى انتصار جيوش الأراميين على بنى اسرائيل بعد انقسام المملكة و فيه تسمية واضحة لمملكتهم ب "بيت داود" و هى عادة شائعة فى ذلك الوقت (تسمية المملكة باسم أحد ملوكها المشاهير) مما يدل على الوجود التاريخى لداود بل و شيوع خبره الى الأراميين
Andre Lemaire “Hebrew and West Semitic Inscriptions and Pre-Exilic Israel” : 369
من المهم أيضا ملاحظة أن النقش يعود الى عدو محارب لبنى اسرائيل مما يغلق الباب تماما أمام سيناريوهات ما بعد الحداثة التفكيكية القائمة على أن كل ما يوافق الرواية الكتابية ملفق من بنى اسرائيل أنفسهم ليبقى الحق الأوحد هو الخيال القصصى للماديين (بفرض كون هذا الخيال الواسع الذى يحاول اعطاء سيناريوهات بديلة لكل شئ له وزن علمى أصلا) و قد سبب هذا النقش صدمة لهؤلاء المؤدلجين فشرعوا كالعادة فى محاولة الاتيان بأى قصص بديلة أو تأويلات متكلفة بعيدة لانقاذ المسلمة المركزية لفلسفتهم و هى عدم حجية الكتب المقدسة كالزعم المضحك أن داود هنا تعنى المحبوب و بالتالى فالاراميين لم يقولوا فى النقش أنهم هزموا المملكة الشمالية (بيت اسرائيل) و المملكة الجنوبية (بيت داود لأن عاصمتها كانت القدس نفس عاصمة داود فى عصر المملكة الموحدة) بل كانوا يقولون أنهم هزموا مكانا اسمه بيت اسرائيل و مكانا اسمه بيت المحبوب و هو مكان غير موثق فى أى سجلات أو كالزعم بأن طريقة كتابة الفواصل بين الكلمات لا تتفق مع طريقة تسمية الممالك برغم وجود نفس الطريقة عند تسمية ممالك أخرى و غيرها من الترقيعات العجيبة الا أن اجماع الباحثين بقى على رفض هذه التأويلات و على كون هذا النقش يوثق تاريخية شخص داود (بغض النظر عن ايمانهم بكونه نبى أو مجرد ملك)
I. Finkelstein “David and Solomon” p.263-266
Gary Rendsburg “On the writing Bytdwd in the Aramaic Inscription from Tel Dan” Israel Exploration Jourmal 45: 22-25
David Freedman and Jeffery Geoghan “House of David is there!” Biblical Archaeology Review 21.2 : 78-79
Anson F. Rainey “The house of David and the house of deconstructionists” Biblical Archaeology Review 20.6: 47
Nadav Na’aman “Bet-David in the Aramaic stela from Tel Dan” Biblishe Notizen 79: 18-22
William Dever “What did the Biblical writers know and when did they know it”: 128-129
من الملفت هنا أن فنكلشتاين صاحب المصدر الأول و الذى يقر بدلالة النقش ينسب اليه التيار التشكيكى المحلى قوله بأنه يقر بعدم وجود أدلة على داود و سليمان!!! (طبعا هذا الى جانب أن عدم وجود أدلة غير كافى لتأكيد عدم وجود شخص بعينه خاصة فى ضوء ما استعرضناه سابقا من مشاكل ضياع شواهد الممالك فى الحروب و عمليات الهدم و اعادة البناء t.ly/0yGk )
2-نقش الملك ميشع:
نقش اخر يعود الى منتصف القرن التاسع قبل الميلاد يتحدث عن بيت داود عند الحديث عن مملكة يهوذا الجنوبية التى اتخذت عاصمة داود (القدس) عاصمة لها و التى كانت من ضمن ممالك التحالف العسكرى ضد ملك المؤابيين
Andre Lemaire “Hebrew and West Semitic Inscriptions and Pre-Exilic Israel” : 368
Lawrence Mykyliuk “Identifying Biblical Persons in the Northwest Semitic inscriptions of 1200-539 BCE” : 265-277
Emile Puech “La Stele Arameenne de Dan: Bar Hadad II et la Coalition de Omrides et de la maison de David” Revue Biblique 101: 215
3-نقش شيشنق:
قام الفرعون المصرى شيشنق بتوثيق حملاته العسكرية فى نقوش معبد الكرنك و منها الحملة المذكورة فى سفر الملوك الأول 14/ 28-25 على بنى اسرائيل مما يعطى مصداقية أكبر للخبر التوراتى و من الأماكن المذكورة فى النقوش الفرعونية مرتفعات داوت Dwt و التى رجح الدارسون كونها داود بسبب طريقة انتقال الأسماء السامية الى المصرية القديمة (مثلا مجدو تصبح مكت و أدوميم تصبح اتمم) و قد شكك البعض فى مدى مصداقية النقش و رجحوا أن شيشنق قد بالغ فى حملته العسكرية تمجيدا لنفسه فوضع أسماء مواقع لم يهاجمها نقلا من نقوش و سجلات أخرى الا أنه حتى اذا فرضنا جدلا صحة هذا الكلام فلا تزال الحجة قائمة بأن موقعا فلسطينيا هاما يحمل اسم داود كان موجودا و معروفا لدى المصريين حتى لو لم يهاجمه شيشنق
Kenneth A. “On the Reliability of the old testament”: 93
المبحث الثانى: الوجود التاريخى لمملكة داود و سليمان
يعترض البعض على امكان وجو د مملكة داود بناءا على المبالغات التوراتية فى وصفها و يتم تصدير كتابات مدرسة الحد الأدنى Minimalist القائمة على فلسفات ما بعد الحداثة و تفكيك النصوص الدينية و اسقاطها و كأن هذه المدرسة احتكرت العلم و أى معارضة لها هى بالتأكيد دينية لا علمية (تماما كما يحدث من الماديين اللاغائيين المعتنقين للتطور) و سنستعرض بعض أدلة المثبتين أدناه
1-المملكة فى أخبار دول الجوار
تخبرنا النقوش السابقة التى وصفت المملكة ببيت داود بوجود مملكة حكمها ملك يدعى داود بالفعل و يذهب الدارسون لخط سير حملة شيشنق و غاراتها شمال القدس الى أن هذا لا يمكن تفسيره الا بوجود أهداف هامة و ثرية فى هذه المنطقة تبرر هذا الطريق و هو ما يشير الى وجود مملكة ثرية فى هذه المنطقة و يتفق مع فترة ضعف المملكة بعد وفاة داود و سليمان مما يغرى بمهاجمة هذا الهدف الثرى الضعيف
I. Finkelestein and Amihai Mazar “The Quest for the historical Israel” : 123-124
حاول بعض التشكيكيين الطعن بأن شيشنق لم يذكر اغارته على أورشليم و الحقيقة أن مجرد عدم اغارة شيشنق على أورشليم (ان صح هذا الأمر)لا يدل على شئ بل قد يكون حجة ضد المشكك فان كان شيشنق قد حصل على غنائم و ثروات كبيرة من مدن غير العاصمة فهذا دليل أكبر على وجود مملكة شديدة الثراء و لكننا نقول "ان صح هذا الأمر" لأن نقش شيشنق محيت منه بعض أسماء المدن بفعل عوامل الزمن و ربما كانت أورشليم منها
Hermann Michael Niemann “The Siociopolitical Shadow cast by the Biblical Solomon” in “The Age of Solomon” ed. Lowell K. Handy : 297
Yigal Levin “Did Pharoah Sheshonq attack Jerusalem?” Biblical Archaeology Review 38.4 :43-45, 48-52
حاول البعض الطعن بوجود أخطاء فى تفاصيل النقش كزيادة أعداد المواقع التى أغار عليها الفرعون لتمجيد نفسه و من جديد نكرر أن البحث الأركيولوجى لا يسقط أبدا حجية نص بالكامل لوجود مبالغات أو أخطاء فيه و الا لتم اسقاط كل تاريخ الملوك و الأمراء و الممالك الملئ بتمجيد الذات و المبالغات فى الانتصارات (بل لتم اسقاط الحاضر أيضا و ليس الماضى فحسب)فمعرفة المصريين بأسماء هذه الأماكن دليل على وجودها فى عصر شيشنق أو قبله سواءا أغار شيشنق على كل موقع منها بالفعل أم لا و غارات شيشنق فى هذه المنطقة و غنائمها دليل على وجود أهداف ثرية فيها بغض النظر عن دقة أسماء كل المواقع.
و أخيرا و ليس اخرا بقى أن ننوه على أن قلة اثار الممالك القديمة فى هذه الفترة أمر طبيعى بسبب ندرة القوى الكبرى التى يمكن أن تمتلك سجلات ضخمة فمثلا حزائيل ملك ارام لم يبقى من أثره سوى القليل برغم مكانته الكبيرة التى جعلت المملكة تعرف ب "بيت حزائيل" و لم يبقى من خبر الملوك المؤابيين كلهم سوى نصب ميشع سالف الذكر و قصاصة واحدة و غيرها من الأمثلة و فى المقابل فان الأشوريين الذين تعتبر سجلاتهم من المصادر القليلة المتاحة لتلك الفترة لم يبدأوا فى ذكر خصومهم الا فى القرن التاسع قبل الميلاد أى بعد زمن مملكة داود
Kenneth A. “On the Reliability of the old testament”: 89-91, 156-157
يزعم البعض أن ندرة اثار المملكة دليل على أنها لم تكن بالشكل القوى الواسع المذكور فى الكتاب المقدس و الحقيقة أنه لا خلاف بين الدارسين على دخول التحريف و المبالغة على نص الكتاب المقدس الا أن هذا لا ينفى وجود مملكة قوية و ان كانت ليست بالشكل الأسطورى الذى تصوره النصوص الكتابية و اذا كانت النقوش السامية و غيرها من الشواهد الأركيولوجية توثق وجود مملكتان شمالية و جنوبية و اذا كانت الدولة بعد الضعف و الانقسام و الانحدار مملكتان فكيف بزمن القوة و الوحدة؟
Andre Lemaire “Hebrew and West Semitic Inscriptions and Pre-Exilic Israel” : 366-367
2-ندرة شواهد المملكة فى اثار فلسطين القديمة
أ-البرديات:
يقر الخبراء بأن البرديات لا تبقى محفوظة الا اذا دفنت فى منطقة جافة لذا فان عدم العثور على وثائق و برديات من القرن العاشر قبل الميلاد فى هذه المنطقة ليس مفاجئا و لا يمكن التدليل به على عدم وجود مملكة خاصة فى ضوء الشواهد السابقة
Allan Millard “Texts and Archaeology: Weighing the Evidence, The Case for king Solomon” Palestine Exploration Quarterly : 25
I. Finkelestein and Amihai Mazar “The Quest for the historical Israel” : 134-135
ب-الهدم المتكرر:
تعرضت أورشليم قلب المملكة و عاصمتها الى الهدم و اعادة البناء مرات كثيرة على مدار ثلاثة الاف سنة و هو أمر كفيل باضاعة الاثار و النقوش الموجودة على الجدران و قد حدث أمر مشابه فى دمشق لذا لم تظهر فيها نقوش من العصر الحديدى القديم و كمثال عملى على ذلك فقد تم اكتشاف رسائل تل العمارنة فى أرشيف الفرعون اخناتون و العائدة الى القرن 14 قبل الميلاد و تحتوى على مراسلات سياسية للفرعون ترسم صورة مختلفة تماما عن ما يظهر من بقايا فى الشاهد الأركيولوجى فوفقا لهذه الرسائل كانت أورشليم ذلك العصر عاصمة مملكة تمتد من الأردن شرقا الى تلال شفيلا غربا و من بيت ايل شمالا الى حبرون جنوبا برغم أن الشاهد الأركيولوجى لا يظهر الا بقايا تفسر على أنها لمجموعات صغيرة.
أيضا وفقا لأرشيف تل العمارنة فقد كانت شكيم (نابلس) مركزا لمملكة كنعانية قوية ممتدة أخضعت الممالك المجاورة غربا و شمالا و مع ذلك لم يتبقى منها سوى ما تم تفسيره على أنه بقايا مدينة متوسطة تسودها المجموعات القروية و الرعوية. توضح هذه الأمثلة كيف يمكن أن يمحو تعاقب الأجيال و الأنظمة و الحضارات و الأحداث خاصة الحروب و عمليات اعادة البناء فى نفس المكان اثار الممالك و الدول
“The political Disposition and historical development of Eretz – Israel According to the Amanra letters”
Nadav Na’aman “Ancient Israel’s history and histography: The first temple period” : 3-8, 14
Michael D. Coogan “Assessing David and Solomon” Biblical Archaeology Review 32.4: 56-60
“Between Evidence and Ideology” p.183
Kenneth A. “On the Reliability of the old testament”: 91
ج-ضعف الحفريات فى مناطق مهمة كثيرة من أورشليم القديمة لأسباب سكانية و سياسية
Kenneth A. “On the Reliability of the old testament”: 51, 157
اذن يمكننا أن نستنتج أن ندرة اثار مملكة داود و سليمان ليس لعدم وجودها بل بسبب عمليات الهدم و اعادة البناء و الحروب و التخريب و الانشاءات الهائلة فى الفترة الرومانية من جهة و غياب نشاط الامبراطوريات الأخرى فى تلك المنطقة من جهة أخرى بل يعترف بعض التشكيكيين أنفسهم أن المدينة القديمة قد استخدمت كمقالع للحجارة للانشاءات الجديدة
فراس السواح "الحدث التوراتى و الشرق الأدنى القديم" : 147 و 206
فراس السواح "تاريخ أورشليم و البحث عن مملكة يهوذا" “ 181
“التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها" تعريب سعد رستم: 173-174
المبحث الثالث : شواهد تاريخية على مملكة داود و سليمان
برغم كل ما سبق ذكره من عوامل تبقت بعض الشواهد على وجود المملكة و منها:
1-خربة قيافا:
بقايا سور و بوابات و قاعات ادارية غرب أورشليم تعود الى عصر المملكة الموحدة و تشير الى خضوع الموقع لسلطة مركزية كبيرة و لا يوجد مرشح لها فى هذا العصر سوى المملكة الموحدة خاصة و قد وجد نقش و سط البقايا يشير الى "اش-بعل" و الذى ورد ذكره فى الكتاب المقدس على أنه ابن شاؤول (طالوت كما وضحنا سابقا عند مناقشة اللغة و الأسماء بين القران و الكتاب المقدس t.ly/RbOe )الذى حاول أن يحكم قبل تولى داود عليه السلام
Y. Garinkel et al., “In the footsteps of king David: Revelations from an ancient Biblical City”
William Dever “Has Archaeology buried the Bible?”: 81
2-تل عتون:
بقايا بنايات ادارية كبرى فى نطاق الجزء الجنوبى من المملكة تعود الى القرن العاشر قبل الميلاد و هو ما يتزامن مع عصر المملكة الموحدة
A. Faust and Y. Sapir “The Governor’s Residency at tal Eton: The United Monarchy and the impact of the old house effect on large scale archaeological reconstruction” RadioCarbon Vol.60, Issue 3 : 801-820
3-حاصور و مجدو و جازر:
شهدت المدن الثلاثة كشوف أركيولوجية تعود الى القرن العاشر قبل الميلاد تتوافق مع وجود المملكة الموحدة و تشير الى اتساعها خارج أورشليم و هو ما يتوافق أيضا مع رواية سفر الملوك الأول 15/9 التى تذكر هذه المدن بالاسم
William Dever “What did the Biblical writers know and when did they know it?”: 132
أزعجت هذه الكشوف بالذات المؤدلجون الراغبون فى نفى أى حجية تاريخية للرواية الكتابية لأسباب فلسفية ترتدى ثوب العلم فحاولوا الطعن فيها برغم استخدامها أساليب متفق عليها فى تقييم الاثار فبدأوا فى الطعن فى هذه الأساليب المعتمدة من المجتمع العلمى لمجرد اتيانها بنتائج تخالف أيديولوجيتهم لينقل عنهم أتباعهم المحليون أنهم قد "أجهزوا على هذه الكشوف بكل علمية و موضوعية" [تقريبا هى نفس علمية و موضوعية التطوريين عندما يرفضون حسابات علم الوراثة السكانية المعتمد تطوريا أو نتائج رسم أشجار الحياة الجزيئية عندما تأتى بنتائج لا تروق لهم و تنفى سيناريوهاتهم العجيبة]
يزعم الطاعنون أننا يجب أن نعيد تأصيل قواعد تزمين الاثار الى ما يسمى التسلسل المنخفض Low Chronology الذى سيضع هذه الاثار فى القرن التاسع قبل الميلاد بدلا من التسلسل المعتاد Traditional Chronology الذى وضعها فى العاشر...هكذا اذن عندما تتعارض الأساليب المعتادة المتفق عليها مع النتائج التى نريد الوصول اليها نردها و نستخدم الأسلوب الذى سيوصلنا الى النتيجة المرجوة بكل حياد علمى و أمانة و موضوعية ثم نتهم المعارض بالأدلجة الدينية[هذا سيناريو شديد الشبه بحفرية باسيلوسورس جزيرة سيمور التى تحدثنا عنها سابقا عند نقد سيناريو تطور الحيتان و التى وجدوا أنها أقدم من السلف البرى المفترض للحيتان فتم اعادة تأريخها لتتوافق مع السيناريو التطورى...يبدو أن اعادة تأريخ كل ما لا يتفق مع سيناريوهاتهم عادة لدى الماديين فى كل فروع العلم]
لقد تعرضت محاولات استخدام أسلوب التسلسل المنخفض لانتقادات علمية شديدة منها تعمد استخدام نماذج و عينات تعود الى مراحل متأخرة من النظام أو العصر المطلوب دراسته فيسهل خلطها مع العصر التالى و كأنها محاولة متعمدة لترجيح العصر اللاحق لا السابق لكن الطريف أنه برغم كل هذا التحيز ظلت بعض نتائج التسلسل المنخفض من مجدو تشير الى القرن العاشر بعد كل ذلك
I. Finkelstein and F. Piaestzky “14 C and the Iron Age Chronology Debate: Rehov, Khirbet en-Nahas, Dan and Meggiddo” RadioCarbon 48: 373-386
William Dever and Aron Burke “Divided Kingdom, United critics” Biblical Archaeology review 40.4: 37-41, 71
Lawrwnce E. Stage “The Patrimonial Kingdom of Solomon” in “Canaan, Ancient Israel and their neighbors from the late bronze age through Roman Palestina”: 63-74
Raz Kletter “Chronology and United Monarchy: A methodological review” : 13-54
Amihai Mazar “The Spade and the text: Interaction between Archaeology and Israelite History” in “Understanding the history of Ancient Israel”: 143-171
Ammon Ben-tor and Doran Ben-Ami “Hazor and the Archaeology of the tenth century BCE” Israel Exploration Journal 48: 1-37
“Archaeology, Urbanism and the rise of the Israelite State” in “Aspects of Urbanism in Antiquity from Mesopotamia to Crete”
4-طبيعة الحياة فى أورشليم:
من الكشوف المثيرة العثور على بقايا بضائع معبئة و مختومة تعود الى القرن التاسع قبل الميلاد تضم عظام أسماك أشارت التحاليل الى أن بعضها من البحر المتوسط و بعضها من النيل مما يشير الى وجود شبكة تجارية ضخمة و جهاز ادارى متطور و برغم أن هذا هو القرن التالى للملكة الموحدة الا أن الباحثين يستنتجون من هذا أنه يشير الى ارث دولة كبيرة لا مجرد مملكة وليدة ناشئة
Nadav Na’man “Does Archeology really deserve the status of a high court?”: 169-170
5-التغيير الجيوسياسى فى القرن العاشر:
أشار بعض الباحثين الى أن دراسة المنطقة الحدودية المفترضة للمملكة المتحدة تشير الى تقلص المدن المحاذية لها و دمارها فى منتصف القرن العاشر مما يشير الى وجود قوة قامت بحروب توسعية
I. Finkelestein and Amihai Mazar “The Quest for the historical Israel” : 135
William Dever “Has Archaeology buried the Bible?”: 80
6-طبيعة مملكة داود و سليمان:
يظهر لنا من كل ما سبق أنه و ان كانت الشواهد الأركيولوجية لا تدعم المبالغات التوراتية فى توصيف المملكة فانها أيضا لا تدعم المبالغات اللادينية/المادية فى نفى وجودها أو الزعم أنها مجرد مدينة صغيرة بل تدعم الأدلة وجود ما يمكن اعتباره مملكة متوسطة الحجم و هو ما يؤكد أن المسلك العلمى الصحيح ليس هو التذرع بالمبالغات و الأخطاء فى أى وثيقة لاسقاط حجيتها بالكلية بل استلال ما هو مرجح من بين ما هو زائف
Kenneth A. “On the Reliability of the old testament”: 154 – 157
[لاحظ أن القران لم يذكر أبدا هذه الرواية المليئة بالمبالغات عن حجم المملكة و امتدادها من الفرات الى مصر فى زمن كانت فيه موافقة الخبر التوراتى مما ينتظر أهل الكتاب سماعه تأليفا لقلوبهم بل ما ذكر من الملك كان من باب الكيف لا الكم بتسخير الجن و الرياح و ما شابه ذلك]
المبحث الرابع: المملكة المختلقة و تناقضات الطاعنين
1-التناقضات المنهجية و الحياد المزعوم
يحلو للبعض اتخاذ ما يزعمون أنه موقف وسطى بين تيار الحد الأدنى المنكر لحجية الخبر التوراتى و تيار الحد الأقصى المثبت له فيتقبلون أخبار ما بعد انقسام المملكة و ينفون ما قبلها الا أن المسلك العلمى الصحيح ليس أن تتخذ موقفا وسطا بين المدرستين بل أن تتبع الدليل و هناك شواهد على وجود المملكة المتحدة كما بينا بالأعلى كما أن قبول خبر المملكتين برغم وجود أخطاء و مبالغات فيه معناه التسليم بحجية الصورة العامة التى تنقلها التوراة فلا معنى هنا لرفض خبر المملكة الموحدة بل محاولة استخلاص الحق من بين المبالغات و الأخطاء تماما كحالة المملكتين بعد الانقسام.
يقول أحد أبرز المشككين و هو فنكلشتاين فى سياق حديثه عن أخبار المملكتين بعد الانقسام أنه من غير المعقول أن يكون كتاب الأسفار قد اخترعوا كل هذه القصص دون أن يكون لها أصول يعرفها الناس و الا لفقدوا مصداقيتهم تماما. يمكن اختراع التفاصيل التى ربما يتقبلها الناس لكونها خافية عنهم بطبيعة الحال أما القصص كلها فلا ثم يعود فيناقض نفسه بجعل الحدث التأسيسى الأكبر و هو المملكة المتحدة قصة مختلقة!!! انه لا يشكك فى كون قصور مملكة يهوذا الجنوبية فى مركز أورشليم برغم غياب الشاهد الأركيولوجى على ذلك ثم يستخدم نفس الغياب للطعن فى وجود المملكة المتحدة نفسها
I. Finkelestein and Amihai Mazar “The Quest for the historical Israel” : 185-188
أما العجب العجاب و قمة التناقض فهو ما جاء به فى محاولة ايجاد رواية بديلة عن الرواية التوراتية بزعم أن شاؤول حكم مملكة قوية توسعية فى القرن العاشر قبل الميلاد مما اضطر الفرعون شيشنق للتحرك ضده و القضاء عليه و تنصيب داود حاكما على أورشليم التى ضعف العمران فيها فلم يترك لنا أثرا أركيولوجيا على هذهالأحداث لأن داود لم يكن من أهل البذخ!!!
“Saul and Highlamds of Benjamin Update: The Role of Herusalem” in “Saul, Benjamin and the emergence of Monarchy in Israel: Biblical and Archaeological Perspectives” : 43-51
“The Forgotten Kingdom: The Archaeology and history of Northern Israel”
لن نناقش هنا أنه أتى بقصة خيالية من رأس فخامته لينقلها أتباعه لاحقا على أنها "نتائج البحث الأركيولوجى المحايد" فهذا واضح للأعمى و لكن المدهش أنهم أقروا بوجود مملكة قوية توسعية فى القرن العاشر (نفس المملكة التى ينفون وجودها) و أقروا بوجود شاؤول و داود و بحملة شيشنق بل و بكون غياب الشاهد الأركيولوجى أمر طبيعى فى ظل كون داود ليس من أهل البذخ العمرانى(نفس الغياب المستخدم لنفى المملكة!!!) كل ما حدث تغيير اسم حاكم المملكة من داود الى شاؤول و اختراع قصة تنصيب شيشنق لداود فقط لمخالفة الرواية التوراتية من حيث المبدأ.
و بما أن فنكلشتاين يعتبر من أبطال الطاعنين المحليين (على حد تعبير أحدهم) فهل سيعود أتباعه الى الاقرار بوجود مملكة موحدة قوية فى القرن العاشر و الاقرار بوجود داود أم أنهم سيكتفون بالنقل الاختزالى على غرار "لقد أثبت العلم خطأ الرواية الكتابية" و "لقد نفت الأبحاث تاريخ مملكة داود" دون نقل التفاصيل الكارثية المليئة بالمشاكل العلمية و التناقضات و الخيال القصصى؟ [على غرار ما يفعله الماديون فى العلوم الأخرى كالفيزياء و الأحياء]
2-القصص الخيالية و المؤامرات الساذجة:
يزيد البعض من الاغراق فى نظرية المؤامرة فقط لاختلاق تفسير بديل للشاهد الأركيولوجى يخالف الرواية التوراتية فيزعم أن المملكتين الشمالية و الجنوبية أصلا كنعانيتين ثم سطا اليهود على تاريخهما فى القرن الخامس و نسبوه لأنفسهم أو أن التوراة قادمة من جزيرة العرب لا فلسطين و مثل هذه الأطروحات تتجاهل بشدة أن عملية تغيير عرق و دين و هوية أمة لا يمكن أن تمر بهذه السهولة دون مقاومة شرسة تترك أثرا فى التاريخ و فى تراث هؤلاء القوم أنفسهم فمن طبائع الناس الاختلاف و التنازع فى أقل من ذلك و الأحداث التاريخية لظهور الفرق المهرطقة خير شاهد فما بالك بتغيير عقيدة و هوية و تاريخ أمة كاملة [ما لم يتم توسيع نطاق المؤامرة بشكل جنونى لتشمل معظم بنى اسرائيل!!!]
الأكثر من ذلك أن بعض الطاعنين كفراس السواح يقرون بأن تقاطع الرواية التوراتية مع بعض الأحداث التاريخية دليل على بقاء هذه الأحداث حية فى ذاكرة الشعب اليهودى و متناقلة فى تراثه حتى تم تدوينها بعد قرون بل و يقول هو نفسه فى اطار رده على أطروحة مجئ التوراة من جزيرة العرب أن نسيان اليهود لمسرح الحدث التوراتى غير معقول. مثل هذه الاقرارات تتعارض تماما مع فرضية اصابة اليهود بحالة مفاجئة من الزهايمر العقدى و التاريخى ليتم فرض و تبنى الرواية الجديدة
فراس السواح "تاريخ أورشليم و البحث عن مملكة يهوذا" : 151 و 133
فراس السواح "الحدث التوراتى و الشرق الأدنى القديم" ص 244
Ronald Hendel “Review of Memory and the city in Ancient Israel”
و الخلاصة هى أنه نظرا لكل ما سبق فان عامة الأركيولوجيين- بغض النظر عن الصيغة الوثوقية التى يتحدث بها أصحاب الاراء الشاذة-لا يزالون على أن ظهور مملكتى يهوذا و السامرة كان بعد انقسام مملكة أولى متحدة (مع رفضهم طبعا للمبالغات التوراتية فى وصفها) و على حقيقة الوجود التاريخى لداود و بالتبعية لسليمان اذ لا مبرر منطقى لاختلاق الابن فى حالة ثبات وجود الأب و المملكة
David Rodnan Review “The Forgotten Kingdom: The Archaeology and history of Northern Israel” Israel Affairs 21:1, 175
المبحث الخامس: مملكة سبأ
يزعم الطاعنون وجود ثلاثة أخطاء فى رواية مملكة سبأ وهى
1-المملكة تأسست فى القرن الثامن أى بعد عصر سليمان و لم تعاصره
2-لم تكن لها ملكة
3-الرحلة منها الى فلسطين مستبعدة لطولها
و سنناقش الاعتراضات الثلاثة تباعا
1-مملكة سبأ فى القرن العاشر ق.م.
الزعم بأن المملكة لم توجد قبل القرن الثامن قبل الميلاد مبنى على زمن ازدهار المملكة و شيوع أخبارها و لا يلزم من ذلك كونها لم توجد قبل هذا الزمن فهناك ممالك يغيب ذكرها لفترات و يرجح الباحثون أنها تكون فترات تراجع تأثير أو قلة نشاط خارجى و فى حالة سبأ تحديدا فلدينا شواهد أركيولوجية من السجلات التجارية لبلاد الرافدين مع الأمم الأخرى و من حفريات لبعض تقنيات الرى تفيد وجود مملكة فى هذا المكان قبل القرن الثامن المزعوم بل قبل القرن العاشر (زمن المملكة المتحدة) نفسه
Liverami M. “Early Caravan Trade between South Arabia and Mesopotamia” 1:111-5
K. A. Kitchen “Documentation for Ancient Arabia Part 1 : Chronological Framework and Historical Sources” :131
2-ملكة سبأ:
اذا كانت أبرز الشواهد الأركيولوجية على سبأ ما قبل القرن الثامن الميلادى سجلات تجارية و اثار لتقنيات الرى فمن الطبيعى جدا أن يكون لدينا قصور فى أسماء الحكام فى تلك الفترة و بالتالى عدم وجود اسم للملكة فى سجلات غير مكتملة أساسا لا يعنى بالتبعية عدم وجود ملكة خاصة فى ظل قلة حفريات تلال مأرب القديمة حيث سبأ
K.A. Kitchen “Sheba and Arabia in the age of Solomon”: 142-152
أضف الى ذلك أن الملكة قد لا تكون حاكمة بصفتها الشخصية بل لكونها زوجة ملك أو أم ملك قاصرو هذا قد يكون سببا لضعف ذكرها فمثلا لم يعرف اسم ملكة سبأ Halik الا بسبب واقعة قيام أخوها بخطفها من زوجها و لولا تأريخ هذه الواقعة لما عرفنا بوجودها أصلا مما يوضح حالة الضعف العام فى ذكر الملكات ناهيك عن الانقطاعات فى تاريخ بعض الأمم بشكل عام
“External Textual Sources of Early Arabia” in “The Book of Kings: Sources, Composition, Historiography and Reception” :382-383
Nicolas Clapp “Sheba: Through the desert in search of the legendary queen”: 206
3-الرحلة من سبأ الى فلسطين:
و أخيرا فان البعض يستبعد هذه الرحلة كونها طويلة و شاقة جدا بمقاييس عصرها (1400 ميل)لذا فهى غير ممكنة و الحقيقة أن هذا الاعتراض هو مجرد تقدير من صاحبه بلا دليل مادى بل لدينا أدلة من التاريخ على العكس اذ قامت رحلات شبيهة بل و أطول فى هذه العصور القديمة كسفر تحتمس الأول و تحتمس الثالث و أمنحتب الثالث فى القرون 14 و 15 قبل الميلاد مسافة 1300 ميل من منف الى شلال النيل الرابع و ما وراءه و فى القرن الثامن ق.م. جلب الأمير طهارقة جيشا من أعلى نوبة الى منف فى رحلة تقدر بنحو 1800 ميل كما سار أشوربانيبال و قواته مسافة 2700ميل من نينوى الى طيبة ذهابا و ايابا ناهيك عن القوافل التجارية سالفة الذكر بين سبأ و أرض الرافدين
Kenneth A. “On the Reliability of the old testament”: 118-120
Comentarios