يطلق مصطلح الاباء على ابراهيم و اسحاق و يعقوب كونهم سلف بنى اسرائيل و سنضم معهم هنا يوسف كون وجوده هو حلقة الوصل فى مجيئهم الى مصر الذى قاد الى قصتهم مع الفرعون و موسى و هارون التى ذكرناها فى المقال السابق t.ly/jQOn كما سنضم معهم كلا من لوط لأنه عاش فى نفس العصر
المبحث الأول: أسباب التشكيك:
الحجة الأساسية للتشكيك هى كالعادة تأخر التدوين و بالتبعية الزعم بأنها قصص مختلقة و متأثرة بزمن التدوين و الحقيقة أن تأخر التدوين قد يكون قرينة على عدم دقة الخبر أحيانا و لكنه لا يمكن أن يكون "دليلا" على بطلان الخبر بالكلية و قد أوردنا أمثلة على ذلك عن الحديث عن الشواهد الأركيولوجية على حجية التوراة t.ly/cUIV و وجود مملكة داود و سليمان t.ly/NiWT و قصة موسى و هارون المذكورة فى الرابط أعلاه برغم تأخر تدوين كل هذا كما أوردنا عن الحديث عن المقدمة فى علم الأركيولوجيا t.ly/nrE3 عدم امكان نفى وجود شخص/حدث ما لمجرد عدم وجود شاهد أركيولوجى عليه و هذا فى حالة كيانات مؤثرة كالملوك و الأمراء و الممالك فكيف بأفراد أسرة صغيرة. أضف الى ذلك أن هناك أمتان متعارضتان تنسبان نفسيهما الى ابراهيم و الزعم بأنهما قد اتفقتا على اختلاقه ثم بدأتا التنازع على تراثه التخيلى المختلق زعم خيالى الى درجة السخافة خاصة فى ظل ما أثبتته تحاليل الحمض النووى من وجود صلة قرابة بين بنى اسرائيل (الأصليين الساميين و ليس الأخلاط التى تسكن الأرض المقدسة الان) و العرب مؤكدة بذلك تلك الرواية التاريخية
Ann Gibbons “Jews and Arabs share recent Ancestry” Science Mag. (Oct 30, 2000)
“Bill Arnold and Richard Hess eds.The Exodus and Wilderness Narratives in Ancient Israel’s History: An Introduction to Issues and Sources” : 50
المبحث الثانى: عصر الاباء
وفرت المكتشفات الأركيولوجية فى ألواح أرشيف مارى/تل حريرى و نصوص مدينة حوزى و مدينة أوغاريت مادة أركيولوجية ثرية عن الأسماء و العادات و القوانين فى زمن الاباء المفترض تتوافق مع الرواية التوراتية و فى المقابل اجتهد تيار الحد الأدنى المشكك فى محاولة اثبات أن نفس هذه الشواهد كانت موجودة فى عصور لاحقة و خاصة زمن السبى الذى يدعون تأيف التوراة فيه و نذكر هنا نقطتان: الأولى أن توسعة الفترة الزمنية لوجود هذه الشواهد التاريخية لا ينفى بالضرورة رواية التوراة بل أقصى ما يثبته "احتمال" تأثر الرواية بأمور موجودة فى أزمنة أخرى و بالنظر الى أدلة صدق الرواية المتعددة و المذكورة فى الروابط أعلاه يصبح ترجيح صحة أصل الرواية و خطوطها العريضة هو الأقرب الى الدليل
أما الثانية فهى أن الكثير من محاولات اثبات توافق الشواهد مع زمن السبى كانت متكلفة جدا بل و خاطئة و منها:
1-الزعم باقتباس توصيف الخيام من خيام المهاجرين العرب فى الألفية الأولى قبل الميلاد و ليس من خيام الفراعنة و كنعان فى الألفية الثانية و هو ما رده الكثير من الخبراء و الدارسين
James K. Hoffmeier “Tents in Egypt and the ancient Near East” JSSEA 7, no 3: 13-28
Donald Wiseman “They lived in tents” in “Biblical and Near Eastern Studies: Essays in Honor of William Sanford”: 195-200
2-ذكر سفر التكوين حروب عصرابراهيم و تحالفات الممالك المختلفة ضد بعضها البعض و وجود ملوك عيلام فى أرض الرافدين و هذا الوضع السياسى الممزق و المتشرذم لا يتوافق الا مع بدايات الألفية الثانية ق.م. اذ قبل هذه الفترة و بعدها كانت بلاد الرافدين خاضعة لقوى كبرى مما يخرج امكان تأويل هذه الرواية الى زمن السبى
James Pritchard “Ancient Near Eastern Texts” 628
Kenneth A. “Ancient Orient and Old testament”: 45ff
3-الأسماء (يشماعيل-يصحاق-يعقوب-يوسيف) تنتمى الى ما يسميه علماء اللغات "الأسماء العمورية غير التامة" Ammorite Imperfect و وفقا للألواح و النقوش شاعت هذه الأسماء بشدة فى الألفية الثانية ق.م. ثم انحسر استخدامها مع نهايتها و بداية الألفية التالية مما يرجح كون الرواية فعلا تعود الى الألفية الثانية لا منتصف الألفية الأولى ق.م. (زمن السبى)
Kenneth A. “The Patriarchal Age: Myth or history?” Biblical Archaeology Review 21.2: 48-57, 88-94
4-قائمة المواقع التى ذكر نقش الفرعون شيشنق فى معبد الكرنك اغارته عليها ضمت منطقة تسمى "ابرام" (و قد ذكر ابراهيم فى سفر التكوين بهذا الاسم) فى موقع النجف و هى من الأماكن التى ذكر سفر التكوين أيضا وجود ابراهيم فيها و كالعادة حاول الطاعنون التشكيك بأى شكل فزعموا أن النص يمكن أن يقرأ "منطقة الخيل" لكن هذه المنطقة لم تكن مشهورة بالخيل
Kenneth A. “On the Reliability of the old testament” : 313
5-الاشارة الى الاله باسم "ايل" أمر غير مألوف فى القرنين السادس و الخامس ق.م. و هو الزمن الذى يزعم الطاعنون تأليف التوراة فيه مما يشير الى أن هذا تراث قديم يسبق الحضور القوى لاسم "بعل" عند الاشارة الى الاله فى زمن السبى
Nahum M. Sarna “The last legacy of Roland de Vaux” Biblical Archaeology Review, Vol. 6, no. 4 : 18
المبحث الثالث: سكن الاباء فى الدلتا
نصت التوراة و قاموس الكتاب المقدس على سكن يعقوب و بنيه فى جاسان/جوشن فى شرق الدلتا بمصر (تسمى اليوم الشرقية) و ذلك يتوافق مع علمنا أنه منذ القرن 20 الى 17 ق.م. كان الحضور الملكى فى جاسان حتى عندما أخذ الهكسوس مصر اتخذوها هم أيضا عاصمة و أسموها أفاريس و بعد استعادة مصر من الهكسوس لم تعد الاقامة الملكية الى الدلتا الا فى عصر حور-محب و عصر رمسيس الثانى الذى اتخذ بر-رمسيس فى شرق الدلتا عاصمة له ثم فقدت المنطقة الاهتمام الملكى و المركزية من جديد و هذا السيناريو الأركيولوجى متوافق بشدة مع السيناريو التوراتى و لا علاقة له بالمركزية الجغرافية زمن السبى الذى يزعم تأليف التوراة تأثرا به
Kenneth A. “The Patriarchal Age: Myth or history?” Biblical Archaeology Review 21.2: 57-59
المبحث الرابع: سدوم و عمورة
من جديد يتم استخدام نفس الحجة التى أوضحنا بطلانها أركيولوجيا من قبل "اذا لم نعثر على اثار سدوم و عمورة (قرية لوط) أو اثار خسف و دمار فى المكان الذى يظن أنهما كانتا فيه اذن فالقصة لم تحدث" و لن نعيد الردود التى وضعنا روابطها فى الأعلى و لكن نكتفى بالاشارة الى كشف تل حمام الذى عثر فيه فريق التنقيب على مبان لمدينة قديمة مطموسة المعالم و مجهولة لا تذكرها الخرائط التاريخية و توحى الشواهد فيها بتوقف الحياة فجأة مع اثار دمار و حطام و ركام رمادى داكن و أوانى فخارية ذائبة و أحجار أساسات محترقة
ScienceAlert "Giant Space Rock Blast Wiped Out Ancient City With 1,000 Times Hiroshima's Ferocity" (2021)
Ted E. Bunch et al., "A Tunguska sized airburst destroyed Tall el-Hammam a Middle Bronze Age city in the Jordan Valley near the Dead Sea" Scientific Reports volume 11, Article number: 18632 (2021)
Christopher Moore. (2021). A giant space rock demolished an ancient Middle Eastern city and everyone in it – possibly inspiring the Biblical story of Sodom. 𝑻𝒉𝒆 𝑪𝒐𝒏𝒗𝒆𝒓𝒔𝒂𝒕𝒊𝒐𝒏.
Steve Collins “Discovering the City of Sodom”
Steve Collins “Where is Sodom?” Biblical Archaeology Review 39-2: 33-38, 48-49, 70
[و قد أشار موقع Phys.org المعنى بالأخبار العلمية و غيره الى أن الباحثين يرجحون أن اثار الدمار المباشر و الحرارة ترجح انفجار نيزك فوق المنطقة رافعا درجة حرارتها بشكل كبير و مدمرا اياها
“A meteor may have exploded in the air 3,700 years ago, obliterating communities near the Dead Sea” Phys.Org
"Giant Space Rock Blast Wiped Out Ancient City With 1,000 Times Hiroshima's Ferocity" Science Alert (21 September 2021)
الملفت أن الموقع و كأنه قد انتبه الى ما فى هذا الحدث من تصديق للرواية الكتابية فسارع الى اختتام المقال بعبارة عجيبة مفادها أن هذا حدث طبيعى بحت لا علاقة له بكون اله المسيحية أراد معاقبة أهل الفاحشة بكرات نار من السماء و الحقيقة أننى لا أفهم ان لم يكن انفجار نيزك فى سماء مدينة بقوة نووية كما وصفها المقال مطر نارى من السماء فماذا يكون؟ و ما هى الصدفة المطلوبة من الطبيعة حتى يسقط نيزك فوق المدينة التى كانت تمارس الفاحشة تحديدا؟ ان هذه الجملة الترقيعية البائسة تذكرنى بشدة بمقالات المحاكاة الحيوية Biomimetics التى تتحدث عن نقل العلماء لتصميمات من كائنات حية لتحسين تصميماتهم ثم تسارع لحشر جملة تذكر بها القارئ بأن هذه الكائنات طبعا نتيجة التطورو الانتخاب الطبيعى(حتى لا يذهب عقل القارئ يمينا أو يسارا و يفكر فى بعض التابوهات المادية كالتصميم مثلا)...و بغض النظر عن تفسير الواقعة هل هى من اله الكتب السماوية وفقا لرواية الأديان أو من اله الصدفة عفوا أقصد من الطبيعة وفقا للرواية المادية فان الواقعة شاهد على مصداقية الخبر الكتابى حتى و ان كان التدوين متأخر عن زمن الحادثة بكثير...من المدهش أيضا أن المصدر الثانى يتحدث عن أن من نظر الى وهج الانفجار السماوى المدوى قد أصيب بالعمى و هو أمر طبيعى من تفجير بقوة نووية و هو ما تصادف أن أضافه كاتب القران الى ما نقله من بحيرا و ورقة ابن نوفل و الكتاب المقدس فى
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (القمر 37)
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ (هود 81)
فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ (الحجر 65 )
و لا ينطبق ضرورة على كرات النار أو الأحجار المشتعلة و بينما تحدث الكتاب المقدس و من وافقه من المفسرون عن طمس أعين الرجال على باب بيت لوط و عن تحول امرأته الى عمود من الملح عندما نظرت جاء الطمس فى الاية القرانية عاما و غير محدد لكونه للرجال عند بيت لوط و جاء التحذير الواضح من النظر الى الخلف عند الهروب مؤيدا لأن حدث الطمس ليس قاصرا على من تجمعوا على باب بيت لوط كما جاء الطمس فى اية المراودة مقرونا بذكر العذاب مما يرجح كونه ليس مجرد اخفاء الضيوف عن أعينهم
ملحوظة: يوضح دكتور سامى عامرى هنا أنه لا يتفق مع صاحب الكشف فى كون هذه بقايا سدوم و عمورة و لكن يرجح كونها فى موقع اخر الا أنه يشير الى أن حتى لو صحت وجهة نظره فى كونها ليست سدوم و عمورة فان الكشف يوضح كيف لا زال أمام الأركيولوجيين الكثير ليستخرجوه من باطن الأرض و يؤكد أن التحدث بوثوقية و كأننا وجدنا كل ما هنالك لنجده كلام فارغ]
المبحث الخامس: الوجود التاريخى ليوسف
1-دخول الاسرائيليين مصر:
يتفق الخبراء على دخول مهاجرين كنعانيين و ساميين أسيويين الى مصر و استقرارهم فى الدلتا منتصف الألفية الثانية ق.م. و طبعا كما جرت العادة فان مدرسة الحد الأدنى-و الراغبين فى نفى أى حجية لأخبار الكتب الدينية لأسباب فلسفية مادية تتستر بقناع العلم-تدعى أن هؤلاء لا علاقة لهم بالقصة الكتابية و هو ما لم تتمكن طبعا من اثباته و لكن المهم هو الاقرار بوجود هجرة كنعانية/سامية الى مصر و من أشهر أدلة ذلك نقش يصور مجئ قافلة من 37 من الساميين بقيادة من يدعى أبيشا (اسم سامى) الى مصر لأسباب تجارية
I. Finkelstein and Silberman “The Bible Unearthed: Archaeology’s new vision of Ancient Israel and the origin of sacred texts”: 52-53
“The Exodus is not fiction” An Interview with Richard Elliot Friedman
William Dever “Has Archaeology buried the bible?” : 19-20
2-الوزير الأجنبى المجهول:
يطعن البعض بعدم معقولية تعيين وزير أجنبى للبلاد و بعدم امكانية وصول شخص الى منصب الوزير دون أن نعرف عنه شيئا أو نجد له أثرا فى النقوش و هذا الكلام يتناقض مع الشاهد الأركيولوجى نفسه اذ شهدت سقارة فى مصر و هى واحدة من أكثر المناطق تنقيبا اكتشاف قبر وزير لم تذكره النقوش و البرديات أبدا برغم انتماؤه الى عصر اخناتون و أمنحتب الثالث و هى فترة تعتبر جيدة التوثيق و برغم أن نقوش القبر توضح مكانته العالية لدى الفرعون فاذا كان هذا هو حال وزير فى فترة جيدة التوثيق و فى موقع خاضع للتنقيب بكثافة كسقارة فكيف بنا اذا علمنا أن جمهور الدارسين لقصة يوسف على أن فترة وجوده بين 1650 و 1540 ق.م. و هى فترة حكم الهكسوس الغزاة التى تعتبر من الفترات ضعيفة التوثيق و الذين اتخذوا من الدلتا عاصمة و هى الموقع الذى لم يحفظ لنا أى برديات سليمة بسبب أرضيته الطينية و جوه و فيضان النيل المتكرر فيه و حظه من التنقيب أقل بكثير من سقارة
James K. Hoffmeier “Israel in Egypt”: 93-95
Alain Z. “Pharoah’s man Abdeil: The Vizier with a semitic name” Biblical Archaeology Review 44.4: 22-31, 64-66
أما عن الاعتراض الخاص بعدم معقولية وجود وزير أجنبى فنحيل الى نفس الكشف السابق الذى تشير مصادره الى أن اسم الوزير "عبد-ايل" و "ايل" هو اسم الاله بالعبرية فهو وزير من الساميين و هو ليس المثال الوحيد بل هناك أمثلة أخرى لشخصيات أجنبية وصلت الى منصب الوزير فى عهد فراعنة مختلفين و باعتراف بعض الطاعنين أنفسهم فان كان هذا هو الحال أثناء حكم الفراعنة فكيف اذن بحكم الهكسوس الذين هم أصلا جيش أجنبى من الغزاة؟
H.R. Hall “The ancient history of the Near East” :217
فراس السواح "ارام دمشق" : 55
و أخيرا و ليس اخرا فقد وضحنا فى المقدمة عن الأركيولوجيا كيف تندر اثار ملوك و ممالك كاملة أحيانا مما ينفى امكان استخدام غياب الشاهد الأركيولوجى على شخص ما كدليل على عدم وجوده
3-المجاعة:
يعترض البعض أيضا بعدم توثيق حدوث مجاعة فى الفترة المفترض وجود يوسف فيها و من جديد نكرر أن اجماع الباحثين هو على كون فترة حكم غزاة الهكسوس لمصر من الفترات ضعيفة التوثيق ليس فى مرحلة يوسف فحسب بل فى كل مراحلها
Walter C. Kaiser “The old testament documents: Are they reliable/relevant?”: 96
[ملحق من كتاب براهين النبوة:
4-الملك لا الفرعون:
يلاحظ أن القران فى قصة يوسف أشار الى حاكم مصر بكلمة ملك لا فرعون كما فعل فى قصة موسى بينما لا تلتزم التوراة (مصدر النقل المزعوم) بهذا و تستخدم كلمتى ملك و فرعون بشكل متبادل دون الحاق أحدهما بعصر بعينه دون اخر. كان هذا الأمر يستخدم قديما للطعن فى القران بزعم أن نبى الاسلام لم يكن يعرف عن الفراعنة عندما "كتب" سورة يوسف ثم عرف بعد ذلك (و طبعا لا تسأل لماذا لم يعرف ان كان ينقل من المصادر؟ و لا كيف عرف بعد ذلك و ورقة مات و بحيرا لم يلتقه مجددا؟ بالتأكيد نحن قادرون على اختراع قصة ما) اليوم تخبرنا المصادر أن هذا التخصيص للعصور بمصطلحات بعينها هو عين الدقة التاريخية اذ كان زمن حياة يوسف هو زمن حكم الهكسوس الأجانب لمصر و ليس زمن حكم الفراعنة
Maurice Baucaille “Moses and Pharoah: The hebrews in Egypt”: 210-211
سامى عامرى "براهين النبوة" ]
المبحث السادس: طوفان نوح
تعتبر فترة الألفية الثالثة قبل الميلاد من الفترات المظلمة نسبيا فى الدراسات الأركيولوجية لضعف الاثار و الأخبار و برغم ذلك يمكننا أن نجد شواهد على صحة الخبر التوراتى فى بعض المسائل و على رأسها الطوفان ذاته. لقد كان الاعتقاد السائد هو أن قصة الطوفان لا نظير لها فى تاريخ الأمم و بالتالى هى خرافة كتابية بحتة ألفها كاتبو التوراة ثم لما بدأت تظهر شواهد لتكرار القصة فى التراث البابلى و السومرى انتقل الزعم من التأليف الى النقل و الاقتباس الا أن كثير من علماء الأنثروبولوجيا (علم يختص بدراسة طبائع الثقافات و المجتمعات الانسانية) و الأركيولوجيا يذهبون الى أن معظم الأساطير تبدأ بقصص تاريخية صحيحة و واقعية ثم يتم تحريفها و تفخيمها و المبالغة فيها مع مرور الزمن
1-بابل و سومر و الطوفان:
تعتبر قائمة الملوك السومرية (منشور ويلد-بلندل) وثيقة تاريخية هامة فى دراسة حكام المملكة و قد تم تقسيم أسماء الملوك فيها الى ملوك ما قبل الطوفان و ملوك ما بعد الطوفان مما يدل على مركزية حدث الطوفان فى حضارة بلاد الرافدين لدرجة استخدامه كنقطة تأريخ
Weld-Blundell Prism Image
و قصة الطوفان نفسها محفوظة فى لوح مسمارى يعود الى عهد الملك البابلى حمورابى الذى جاء بعد الحضارة السومرية و لكن بعد أن تم تحريفها و ادخال ذكر الالهة الوثنية فيها أما الزعم بأن القصة مقتبسة من ملحمة جلجاميش فغير علمى لأن الباحثين يرجحون أنها تعود الى الألفية الثالثة ق.م. خاصة و أن قائمة الملوك المذكورة أعلاه و التى توثق الطوفان كحدث من الماضى تعود الى 2200 ق.م. أى أن الطوفان سابق لهذا التاريخ بينما تعود ملحمة جلجاميش الى نحو 2000 ق.م. أى أن الملحمة هى التى اقتبست من قصة الطوفان فى الجزء الذى ذهب فيه جلجاميش ليتحدث مع سلفه الناجى من الطوفان و ليس العكس
Bendt Alster “Epic Tales from Ancient Sumer: Enmerkar, Lugalbanda and other cunning heroes” Civilizations of the Ancient Near East, Vol. 4: 2322
James Pritchard “Ancient Near Eastern texts relating to the old testament”: 265
Kenneth A. : “On the reliability of the old testament” :426
محمد بيومى مهران "دراسة حول قصة الطوفان بين الاثار و الكتب المقدسة" 385
كما أن التشابهات التى يبنى عليها الشككون اقتباس وجود الاباء التوراتيين من التراث السومرى ليست بالصورة الكبيرة التى يبنى البعض زعمه بالاقتباس عليها فمثلا هناك اختلاف فى عدد ملوك سومر قبل الطوفان بين 7 و 8 و 9 و 10 و مع ذلك يزعم المشككون وجود تطابق بين عدد الاباء العشرة و عدد الملوك و كأن رقم عشرة هو الثابت كما لا يوجد أى تطابق بين أسماء ملوك سومر قبل الطوفان و أسماء الاباء التوراتيين لدرجة أن وصف بعض الدارسين محاولات ايجاد التطابق بأنها متكلفة و غير مجدية فلا يوجد اتفاق بين القائمتان لا فى الأسماء و لا الأعمار و لا خطوط النسب
Russel Gmirkin “Berossus and Genesis, Manetho and Exodus: Hellenistic Histories and the Date of the Pentateuch” :108
J.J.F. “The Antediluvian kings: A university of California tablet” Journal of Cuneiform studies, Vol. 17, no. 2: 50
A Deimel “Die Babylonishe and biblishe uberlieferung bezuglich der vorsintflutlichen urvater”: 17.43
Claus Westerman “Genesis 1-11: A Commentary” : 351
Gerhard F. Hasel “The Genealogies of Gen 5 and 11 and their alieged Babylonian Background” : 373
و ينقل لنا دكتور محمد بيومى مهران أبحاث سير ليونارد وولى الذى قام بحفريات فى منطقة أور السومرية و عثر على طبقة من الغرين silt كالتى تتخلف عادة عن الفيضانات والطوافين ما شابهها أكثر كثافة بكثير من المعتاد فى المدن الأخرى التى تتعرض لمثل هذه الأحداث مما يشير الى أن طوفانا أو فيضانا عنيفا قد ضرب تلك المنطقة كما عثر على نمط من الأوانى الفخارية الملونة أسفل طبقة من بقايا المبانى السومرية تعود الى حوالى 2700 ق.م. يختفى بعد ذلك تماما بشكل مفاجئ فى اشارة لتوقف وجود صانعيه فجأة ثم يظهر بعده فى الطبقات الأعلى فخار جديد مصنوع بشكل مختلف و كأنه لمن حل محلهم لاحقا
محمد بيومى مهران "دراسات تاريخية من القران الكريم" : 37-40
يرجح هذا أن الطوفان كان محليا و ليس عالميا و هو ما يتوافق مع قول ابن عطية (المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز 477/4) و الألوسى (روح المعانى 253/6) و الذى ذهب أيضا الى أن الأزواج كانت مما سيحتاجه الناجون من بعد الرسو و ليس من كل الأنواع لعدم وجود اهلاك شامل ابتداءا و تتوافق محلية الطوفان أيضا مع حديث "كل نبى يبعث الى قومه خاصة" (البخارى كتاب الصلاة ح/427 و مسلم كتاب المساجد ح/815)
2-طول عمر نوح:
هو من الاعتراضات الشهيرة الا أنه أمر خارج نطاق الأركيولوجيا بل فى الواقع هناك بعض الشواهد التى قد تدعم فكرة طول الأعمار قديما فقد أشار المؤرخ يوسيفوس فى القرن الأول الميلادى الى طول أعمار قدماء الكلدانيين و الفينيقيين كما ذكرت مدد حكم ضخمة جدا لملوك ما قبل الطوفان تقاس بالاف السنين و قد ذهب البعض الى أن مصطلح "سنة" لديهم لم يكن يعنى نفس مدة السنة الشمسية التى نستخدمها اليوم بل يشير الى مدة زمنية مختلفة و لكن حتى مع ذلك تبقى فترات الحكم المدونة لملوك ما قبل الطوفان شديدة الطول مقارنة بأعمار البشر اليوم مما يعطى شاهدا أركيولوجيا على وجود أعمار طويلة قديمة بالفعل أو على الأقل اختلاف فى المقاييس الزمانية عما نعرفه اليوم أما محاولة مقارنة أعمار اباء التوراة بطول عمر ملوك ما قبل الطوفان لتقوية الزعم بالاقتباس فغير مجدية لأن الأرقام مختلفة تماما
J.J.F. “The Antediluvian kings: A university of California tablet” Journal of Cuneiform studies, Vol. 17, no. 2: 46
[قام بعض الباحثين بدراسة متوسط الأعمار الطويلة المذكور لنوح عليه السلام و متوسط الأعمار الذى بدأ يقل من بعده وفقا لما فى الكتاب المقدس و مقارنتها بما يسمى Biological decay curve و هو رسم بيانى لتأثير تراكم الطفرات الضارة على الجماعة الحية و متوسط أعمارها (من المرصودات المعارضة للتطور أن الجينات تتدهور لا تتطور كما ذكرنا من قبل فى تلخيص كتاب داروين يتقهقر t.ly/ailG ) فوجدوا أن مستوى تماثل البيانات نحو 90% و هو ما يدعم أن انخفاض متوسط العمر من زمن نوح عليه السلام الى ما بعده من أجيال يتوافق احصائيا مع متوسط التأثير الضار لتراكم الطفرات فى الجينات
P.M. Holladay and J.M. Watt “Degeneration: an exponential decay curve in old testament genealogies”
Logos RA.org “Genetic Entropy Recorded in the bible?”
الرسم البيانى هو معدل تدهور الجينوم بيولوجيا و النقاط هى معدل تدهور العمر المذكور فى الكتاب المقدس. لا يقدم هذا دليلا مباشرة على صحة الأرقام و لكنه يقدم قرينة قوية اذ أن معدل التدهور المدون تاريخيا قريب جدا من معدل التدهور المحسوب بيولوجيا
-عالم الجينات و الهندسة الوراثية جون سانفورد "الانتروبيا الجينية"]
المبحث السابع: ادريس/أخنوخ
عامة المفسرين على أن ادريس هو أخنوخ كما ذكرنا من قبل عند تناول كتاب العلم و حقائقه t.ly/VLL1 مع ملاحظة أن القران لم يذكر التفاصيل الموجودة فى التوراة فلا معنى لتخطئته بناءا عليها اذ يزعم البعض أسطورية القصة بسبب تشابهاتها مع التراث السومرى فمثلا تروى الأساطير السومرية قصة صعود أحد الملوك الى السماء كما فى قصة ادريس و من جديد نذكر بما قلناه بالأعلى من اجماع الدارسين على أن الأسطورة عادة ما تكون امتداد لحدث حقيقى مما يعنى أن التشابهات مع تراث سومر شاهد للرواية التوراتية لا ضدها. يمكن أن يجادل المرء فى خبر رفع شخص ما الى السماء كما حدث مع أخنوخ من منطلق مادى/لادينى بحت كونه أمر غير ممكن فيزيائيا لكن لا يمكن اعتباره دليلا على النقل و الاقتباس نظرا لوجوده فى تراث أمم متباعدة لا يمكن أن تكون اقتبست من بعضها البعض كالهندوس و المجوس و اليونان و السومريين و الفراعنة.
Robert W. Rogers “Cuneiform parallels to the old testament”: 70-72
و تتكرر التيمة المعهودة للمبالغة فى التشابهات من أجل تقوية حجة الاقتباس اذ قام بعض الطاعنين بحشر المعبود الاغريقى هرميس و المصرى أوزوريس فى الموضوع و ابتكار قصة لها العجب و لا سند أركيولوجى لها عن اقتباس المعبود الاغريقى هرميس من اندور انكى الملك السومرى الصاعد الى السماء ثم اقتباس المعبود الفرعونى أوزوريس من هرميس كل هذا لجمع كل التشابهات الممكنة عبر أساطير مختلفة و الايحاء بأنها أسطورة واحدة لتضخيم التشابهات المزعومة بين اندورانكى و أخنوخ و كأن اليهود بدلا من أن ينقلوا من تراث سومر مباشرة عبروا اليه عبر رأس الرجاء الصالح الى جانب الزعم الخاطئ بأن جذر الكلمة اللغوى معناه ارتفع و هذا غير صحيح!!!
-خزعل الماجدى "أنبياء سومريون: كيف تحول 10 ملوك سومريين الى 10 أنبياء توراتيين؟": 313/446/473
Richard Hess “Studies in the personal names of genesis 1” : 285
سامى عامرى "العلم و حقائقه" 393-395
[المدهش هنا أنه ينسب نقل نبى الاسلام الى الحضارة المصرية و التى كانت مسيحية فى ذلك الوقت لا تعبد أوزوريس و بالنظر الى كيف وضحنا علاقة الجذر اللغوى لأصل الاسمين ادريس و أخنوخ فى لغتيهما فى رابط كتاب العلم و حقائقه بالأعلى و كيف أن كلاهما بنفس المعنى من "درس" يصبح على نبى الاسلام أن يدرس التراث المصرى القديم ليعرف أوزوريس ثم يقوم ببحث أركيولوجى و أنثروبولوجى و لغوى ليتعقب أصل أسطورته عبر الحضارات الفرعونية و الاغريقية و السومرية و العبرية حتى يدرك أنه أخنوخ فيقوم باختلاق الاسم الملائم للجذر اللغوى حتى يخرج علينا لاحقا من يؤكد أن العلم و الدراسات الحديثة قد اكتشفت و أثبتت أن كل هذه القصص مقتبسة من بعضها البعض!!!]
المبحث الثامن: ادم
الطعن فى وجود ادم عامة خارج عن نطاق البحث الأركيولوجى فما كان ملكا و لا حاكما لحضارة ضخمة بل كان فردا فى جماعة صغيرة من البشر يصعب أن تترك اثارا و لكن ينبنى الطعن فيه على أمرين الأول عدم امكان وجود زوج أول وفق نظرية التطور و الثانى الزعم بأن أصل البشر عاش منذ بضعة الاف من السنين و هو ما يتعرض مع المكتشفات الأحفورية. أما الاعتراض الأول فلنا هنا على المدونة الكثير من الملخصات من كتب علمية ناقدة للتطور و نكتفى بالاشارة الى الموضوعين الأهم فى مسألة ادم و هما امكان انتاج التنوع البشرى الجينى من زوج أول و عدم ضوروة انتاجه من جماعة t.ly/N5rp و نقد ما يسمى بأحافير أسلاف و أشباه البشر t.ly/I7mC . أما الثانى فهو أمر كتابى بحت يعارضه الاسلام بوضوح فى حديث "ان أمتى فى الأمم كالشعرة البيضاء فى الثور الأسود" (البخارى: كتاب الرقاق ح/6164) و هو ما نبه عليه ابن حزم فى الفصل فى الملل و الأهواء و النحل 84/2
يعترض البعض على الكلام عن حجم ادم قائلين أنه حجم غير ممكن تشريحيا و فيزيائيا و الحقيقة أن أحدا لا يمكنه أن يجزم أن هذا هو الحجم الذى احتفظ به بعد وصوله الى عالمنا و قوانينه و بفرض جدلى أن هذا حدث فلا أحد أيضا يمكنه أن يجزم أن جسد ادم الضخم كان مجرد مضاعفة حجم لهيكل الانسان التشريحى الحالى و أنه لم يحتوى على بنى و هياكل اضافية و اختلافات فى كثافة العظام و سمات أخرى مطلوبة للحجم الضخم الا أنه من اللطائف فى الحديث الذى يذكر الحجم الضخم أنه يتحدث عن تناقص الخلق منذ ذلك الحين و هو ما يتفق مع قانون الفيزياء المسمى الانتروبيا و الذى بدأ يتضح امتداده أيضا الى عالم الأحياء بعكس التطور كما ذكرنا من قبل فى تلخيص كتاب داروين يتقهقر t.ly/ailG و كتاب الانتروبيا الجينية لعالم الهندسة الوراثية جون سانفورد و كتاب أصل الحياة لتسعة من علماء الفيزياء و الكيمياء و الجيولوجيا فالانتروبيا و خسارة و اضمحلال هياكل و صفات تشريحية و معلومات جينية كانت موجودة فى الأسلاف أمر يتفق تماما مع المشاهدات العلمية بل ان هناك أمثلة أحفورية للتضاؤل فى الكائنات مثل أحافير الفيلة القزمة Dwarf Elephants و بعض التفاسير لبعض حفريات الهومو صغيرة الحجم و التى سميت رجال الهوبيت مثل هومو فلورسنسس Homo floresiensis و التى فسر بعض العلماء صغر حجمها بالتناسل فى قلب مجتمع مغلق أو مكان معزول لا ترده هجرات من الخارج و هو ما يتفق بشدة مع تناسل المجتمع البشرى الأول اذ لا بشر اخرين اصلا لايجاد تدفق جينى من الخارج. ليس هذا فحسب بل ان لدينا أمثلة لكائنات ضخمة تضاءل حجمها مع الزمن حتى بدون وجود مجتمع مغلق و لا زال العلماء يحاولون فهم سبب الظاهرة و البعض يرجح أن السبب هو تغير مستويات الأكسجين فى الغلاف الجوى و لكن بغض النظر عن السبب تحديدا فالشاهد هو وجود كائنات ضخمة تضاءل حجمها مع الزمن. انظر مثلا حجم جناح هذه الحشرة مقارنة مع الجناح العائد الى ملايين السنين فى الماضى
“Reign of the giant insects ended with the evolution of birds” University of Santa Cruz (June o4, 2012)
مع ملاحظة أنه و كما ذكر المقال هذه ليست أضخم عينة متاحة بل ثلثى أضخم عينة فقط. اذن فوجود كائنات ضخمة تضاءل حجمها لاحقا أمر تشهد به الأحافير.
و بعيدا عن كوننا لا نعرف شيئا عن هيكل ادم و تشريحه و هل كان مطابقا لنا بالضبط أم لا فيجب أن نلاحظ أن الاعتراضات عادة تبنى على ما يسمى قانون مربع-مكعب square cube law و الذى يتحدث عن أن مقدار زيادة الحجم تفوق بمرات عديدة زيادة السطح و السطح هو الذى يحدد المساحة المتاحة للعظام و بما أن زيادته قليلة بالنسبة للحجم فان العظام لن تزيد المساحة التى تحتلها و العرض الخاص بها بما يكفى لدعم الوزن و بناءا عليه فان أى زيادة فى مساحة السطح (كزيادة الطول مثلا) ستقابلها زيادة بأضعاف مضاعفة فى الحجم و الوزن بشكل يستحيل على العظام تحمله و سينهار الهيكل العظمى...المشكلة ببساطة أن هذا القانون ينطبق على الأشكال الهندسية المصمتة و لكنه لا ينطبق على الكائنات الحية التى يختلف نموها تماما عن مجرد مضاعفة المساحة/الطول/الحجم (بامكانك تخيل هذا بسهولة فى رأسك فالرجل الناضج قطعا ليس رضيعا خضع لعملية تضاعف فى الأبعاد بل ان عملية النمو تختلف عن هذا تماما) ففى حالة الأشكال الهندسية يمكن أن نطبق عملية التضخم المتجانس (مضاعفة الأبعاد)أما فى حالة الكانئات الحية فالنمو عملية تضخم غير متجانسة فهى ليست مجرد مضاعفات للحجم و الأبعاد بل هى عملية بناء و احلال و تجديد بالمعنى الحرفى للكلمة (لتفصيل أكثر يمكن مراجعة بعض المقالات التى تعرضت الى العمليات النماية على المدونة).
و لنضرب بعض الأمثلة البسيطة:
عند الولادة فان وزن الطفل يكون حوالى 3.4 كيلوجرام و طوله 49.9 سم للذكور و عندما يصل الى مرحلة الشباب سنأخذ متوسط طول 170 سم الذى يقابله عند الذكور متوسط وزن 73.9 كيلوجرام
الان لننظر: زاد الطول بنسبة 170/49.5=3.43 ثلاث مرات و نصف و بالتالى وفقا لقانون مربع مكعب فالوزن يجب أن يكون 3.4(الوزن عند الولادة) مضروبا فى معدل الزيادة ثلاث مرات أى 3.4*3.43*3.43*3.43=137.2 أى أكثر من 137 كيلوجرام و كما نرى من موقع احصائيات الوزن أعلاه هذا الرقم ضعف الوزن الموجود فى الواقع لدى من يمتلكون هذا الطول (73.9 كيلوجرام) لماذا؟ ببساطة لأننا لسنا مكعبات و لا يمكن تطبيق هذا القانون على نمو الكائنات الحية و تغير حجمها لأنه يتم بشكل غير متجانس. لاحظ أيضا أننى قارنت بالوزن الأعلى لهذه الفئة من الطول و لو أخذت الأدنى لبان الفارق أكبر و أكبر و بامكانك أن تجرب الحساب لكل فئة من فئات الطول و تقارنه بالوزن المذكور امامها لتصل لنفس النتيجة البدهية فى الواقع التى لم تكن تحتاج الى حسابات أصلا...نحن لسنا أشكال هندسية ثابتة تتضاعف فى الحجم.
و فى هذا المقطع من محاضرة لأستاذ فيزياء فى جامعة M.I.T. فى كامبريدج يقوم بعمل مقارنات بين عظام حيوانات مختلفة الأحجام من الفأر الى الفيل موضحا عدم خضوع أجساد الكائنات الحية لهذه القاعدة
و الان نضيف الى هذا كله بعض الحقائق العلمية عن العظام فالبعض يخلط بين قوة تحمل العظام للوزن من جهة و الكسور التى يصاب بها الناس عند السقوط او الحوادث من جهة و الأمرين منفصلين. يخبرنا العلم أن قوة تحمل البوصة المكعبة الواحدة من مادة العظم تفوق 8000 كيلوجرام أى وزن خمس سيارات و أنها أقوى من الفولاذ و من الأسمنت بينما الكسور تنتج عن سرعة و قوة توجيه صدمة للعظام و ليس عن تحمل الوزن
Bone is extraordinarily strong — ounce for ounce, bone is stronger than steel, since a bar of steel of comparable size would weigh four or five times as much. A cubic inch of bone can in principle bear a load of 19,000 lbs. (8,626 kg) or more — roughly the weight of five standard pickup trucks — making it about four times as strong as concrete...Still, whether or not bone actually withstands such loads depends heavily on how quickly force is delivered.
و أضف الى ما سبق قانون ولف و الذى يقول أن مادة العظام (على كل قوتها سابقة الذكر) قادرة على زيادة قوتها و صلابتها حال تعرضها لأحمال زائدة فالكائن الحى كما سبق أن ذكرنا ليس كتلة مصمتة ثابتة بل يتعرض لعمليات تجديد و احلال مستمرة و منها تجديد و تعديل نسيج العظام حسب ما تتعرض له من أحمال
ثم نضيف الى كل هذا أن الكائنات الحية بشكل عام ذات خصائص قابلة للتعديل بسهولة لاكسابها قوة أكبر من المتوقع فمثلا ناقشنا سابقا عند الحديث عن العناكب كيف أن الخيوط التى من المفترض أن تكون نسيجا بسيطا بمجرد اضافة بروتينات خاصة لها تمتلك قوة تنافس مواد البناء و على صعيد اخر فهناك طفرات جينية تزيد من قوة العظام بشكل كبير جدا
"Unbreakable bones – the LRP5 gene" in "MAGNIFICENT MUTATIONS: WHEN GENETIC VARIATIONS ARE GOOD NEWS" Know Pathology
"“Unbreakable” bones prompt a hunt for genes" Yale Medicine Magazine, 2002
"A Gene That Builds Strong Bones" Science (13 MAR 1998)
و الان لننظر الى ما لدينا من بيانات:
1-الكائنات الحية لا تنمو بمجرد مضاعفة الأبعاد و بالتالى لا تخضع لقانون مربع مكعب الذى يفترض أى زيادة فى الطول ستقابلها زيادة فى الوزن تفوق بكثير زيادة السطح
2-العظام شديدة القوة فى التحمل بشكل يفوق الفولاذ و الأسمنت و الكسور عادة ترجع الى قوة الصدمة لا الى الأحمال
3-مادة العظم قادرة على تعديل نفسها عن التعرض لأحمال أعلى الى جانب وجود طفرات تكسبها قوة غير عادية
فى ضوء هذه الحقائق الثلاث لا يوجد أى وجه للقول باستحالة وجود بشر طوال القامة هذا على القول بأن ادم جاء بهذه الأبعاد الى الدنيا و لم تكن أبعاده هذه فى الجنة فقط
تعقيب شخصى: يستدل البعض ببعض التصريحات لعلماء التطور التى تقول أن 99% من الأنواع لم تتحجر لتتحول الى أحافير و هذا هو سبب غياب أحافير لبشر ضخام الحجم و هذا الكلام مجرد دعاية تطورية لترقيع غياب الأعداد الضخمة من الحلقات الانتقالية التى تتطلبها نظرية التطورو لا أرى من الصواب الاستدلال به بل السبب ببساطة أن المجتمع الذى كان بهذا الحجم كان المجتمع الأول فقط و مع التزاوج الداخلى بدأت ظاهرة التقزم فى العمل منذ اللحظات الأولى و بالتبعية غياب أحافير لبشر عمالقة سببه ببساطة أن هذه الصفة وجدت فقط فى نطاق محدود فى عدد من الأجيال الأولى و التى لم يكن تعدادها ضخما يملأ الأرض كانتشار البشر اليوم بل بالكاد يصنع عدة مجتمعات متناثرة - هذا من جديد على فرض أن هذا الطول هو طول الأرض فعلا و ليس طول الجنة و لكن الطريف فعلا أن هذا يلفت النظر الى الانتقائية الشديدة التى تتعامل بها نظرية التطور مع البيانات و الكيل بمكيالين فهم يزعمون السجل الأحفورى يحتوى على فجوات واسعة عندما نحدثهم عن الظهور المفاجئ للصفات الجديدة و مخططات الأجساد و أن سبب هذا ربما يكون حدوث التغيرات بسرعة أو عدم صلاحية التربة لحفظ الأحافير أو حتى صغر حجم الجماعات الحية التى حدثت فيها هذه التغيرات و لكن هذه الفجوات و التبريرات يتم نسيانها بسرعة و هم يؤكدون لنا أن الأحافير تنفى وجود بشر ضخام الحجم! لو أردنا تطبيق فكرة غياب الأحافير دليل نفى قاطع فالخاسر الأول هو نظرية التطور ذاتها.
و أخيرا يستدل البعض بأننا لا نجد فى الجينوم أى جينات تشير الى سلالتنا كانت يوما ما من العمالقة و هذا استدلال غير صحيح لعدة أسباب. أولا صاحب الاستدلال يتعامل و كأننا اكتشفنا كل ما فى الجينوم بينما فى أغسطس 2023 قام فريق من العلماء ببناء قاعدة بيانات للجينات المشفرة للبروتينات التى لم تدرس وظائفها
Rocha JJ, et al. Functional unknomics: Systematic screening of conserved genes of unknown function. PLOS Biol. 2023;21(8):e3002222.
الجينات المشفرة للبروتين التى هى قلب و روح علم الأحياء لازال منها الالاف غير مدروس بل و يقدرون أنهم قد يستغرقون نصف قرن لاتمام دراستها! بل و بعض هذه الجينات غير المدوسة حيوى و هام للبقاء و التكاثر و ليس مجرد الية اضافية يمكن أن يحتاجها الكائن أحيانا لكن ليس دائما
“We found that one-quarter of these unknown genes were lethal—when knocked out, they caused the flies to die, and yet nobody had ever known anything about them,” says Freeman. “Another 25 percent of them caused changes in the flies—phenotypes—that we could detect in many ways.” These genes were linked with fertility, development, locomotion, protein quality control, and resilience to stress. “That so many fundamental genes are not understood was eye-opening,” Freeman says...However, at current progress rates, working out the function of all human protein-coding genes could take more than half a century...The study focused on genes that are responsible for proteins. Over the past two decades, uncharted areas of the genome have also been found to harbor the code for small RNAs—scraps of genetic material that can affect other genes, and which are critical regulators of normal development and bodily functions. There may be more “unknown unknowns” lurking in the human genome.
"The Mystery Genes That Are Keeping You Alive" Wired (AUG 8, 2023)
scientists opt for well studied genes, neglecting thousands of known and conserved genes with unknown function in the process...The systematic silencing of these genes in fruit flies revealed that many are essential for survival and other important biological functions, demonstrating that there is still much to be explored in the vast unknowns in the genome...Beyond its potential value in guiding scientists towards neglected proteins, the Unknome database also highlights just how much of biology remains to be explored.
"Stepping Into the Unknome - A database of neglected genes may help unlock the mysteries hiding in the overlooked regions of the proteome" The Scientist (Mar 8, 2024)
نصف قرن اضافى حتى نفهم وظائف الجينات المشفرة للبروتين! اذا كان هذا هو حال الجينات التى تركز عليها الأبحاث دائما بسبب مزاعم نظرية التطور و هى تمثل حوالى 2% فقط من الحمض النووى فكيف الحال بتسلسلات أخرى تسمى dark genome الجينوم المظلم تمثل الغالبية الساحقة من الحمض النووى و لم تتم دراستها بسبب الظن أنها خردة غير وظيفية و بالكاد بدأت هذه الرؤية تتغير منذ مشروع انكود عام 2012. اذا كان ال 2% التى ندرسها منذ ستينات القرن الماضى لازال أمامنا 50 عاما أخرى لنتمها فكيف بالباقى الذى لم ندرس منه سوى نحو 5%؟ بل انه وفقا لنظرية التطور نفسها فان أى صفة لم يعد الكائن يستخدمها ستتراكم الطفرات فى الحمض النووى الخاص بها حتى تمسخه أى أن عدم وجود أثر لبروتينات أو تسلسلات وظيفية معينة فى الجينوم (بفرض أننا درسناه كله و هو ما لم يحدث) لا يمكن أن يكون دليلا على أن هذه الصفة لم توجد فى أسلاف قديمة ثم تفقد بل ان النظرية نفسها و نماذج علم الوراثة السكانية التى تعتمد عليها تقول أنه فى الجماعات الحية الصغيرة (و هو ما ينطبق على حال البشرية فى بدايتها) يمكن أن تفقد بعض الصفات من المجموعة بسهولة بسبب ظاهرة تسمى الانجراف الجينى genetic drift أى أنه حتى على التسليم بالنموذج الالحادى لممارسة العلم فلا نحن درسنا الجينوم كله و لا حتى نصفه أو ربعه و لا غياب جين فى الحاضر دليل على عدم وجوده فى الماضى
Comments