المبحث الأول: علم الأمراض و العهد القديم
تضمن العهد القديم وصف بعض الظواهر المرضية و جاء الوصف كاشفا عن ثقافة بدائية فى فهم حقيقة الأمراض و من أمثلة ذلك:
1-اختبار البطن المتورم: يذكر سفر العدد 5/ 12-31 أن الرجل اذا شك فى زنا زوجته يسقيها الكاهن "ماء اللعنة المر" و هو ماء مخلوط بالتراب فاذا تورم بطنها و سقط فخذها/جنينها فهى مذنبة و هو أمر ظاهر البطلان و فى المقابل لم يقره القران الذى يزعمون نقله من الكتاب المقدس بل طالب بشهود على الواقعة.
2-فى سفر اللاويين 13/ 9-13 و 13/ 47-59 و 13/ 33-48 كلام غير علمى اطلاقا عن مرض "البرص" فالكلمة المذكورة و ان كان ظاهرها العبرى يوافق مرض الجذام الا أن الأعراض المذكورة لا توافق أعراضه بل أطلقها الكتاب المقدس على ظواهر متعددة غير مؤتلفة كما أن تغطية البياض كامل جلد المريض ليست برهانا على الشفاء كما ذكرت النصوص. اضافة الى ذلك فقد زعم المؤلف أنه مرض غير معدى و مع ذلك يجب عزل المصاب به و هو أمر منقول من الثقافة البابلية القديمة التى كانت ترى بياض الجلد علامة غضب الالهة فوجب عزل المصاب بها. و أخيرا ذكرت النصوص أن نفس هذا المرض الذى يصيب الانسان يصيب الأثواب و الحوائط و هو كلام خاطئ علميا
3-التطهير بالدم: فى اللاويين 14/ 52-53 ذكر تطهير البيوت بالدم الذى هو بيئة صالحة لنمو و تكاثر الجراثيم مما يؤدى الى ظهور الأوبئة و ليس التطهير.
4-الحيض أذى حسى و ليس نجاسة معنوية: صور الكتاب المقدس الحائض بصورة قاسية فهى نجسة لا تجوز مؤاكلتها و تنجس كل ما تمسه و من مس ثيابها أو ما جلست عليه ينجس كما جاء فى اللاويين 15/ 19-24 و كان عرب الجاهلية يقلدون اليهود فى هذا فسأل الصحابة النبى فى ذلك فقال "اصنعوا كل شيء الا النكاح" فبلغ ذلك اليهود فقالوا "ما يريد الرجل أن يدع من أمرنا شيئا الا خالفنا فيه" – رواه مسلم [هذا قول يهود عصر البعثة أما عباقرة اليوم فبالتأكيد هم أدرى بحال يهود زمن البعثة من أنفسهم فيقولون بل نقل عنهم] و المرأة فى الاسلام لا تنجس انما تكون جنبا
5-ضربة القمر: فى مزمور 6/121 ذكر ضربة القمر و تؤكد هذا المعنى الترجمة اليونانية فى نص متى 15/17 “سليزيازتاى" و التى تعنى مصاب بضربة قمر فى اشارة الى المصاب بالصرع و هذا الاعتقاد غير العلمى كان شائعا بين الأمم القديمة أن كثرة التعرض للقمر يؤدى الى أعراض صرع أو اضطراب القوى العقلية
المبحث الثانى: علم الأمراض و العهد الجديد
كما فى العهد القديم يتضمن العهد الجديد أوصافا غير مستقيمة فى مجال المرض و الدواء تكشف عن بشرية النصوص و من أمثلة ذلك:
1-الأمراض و الشياطين: يكاد التفسير الكتابى للأمراض يكون قاصرا على الشياطين و الأسباب الروحية و فى المقابل برغم أن محمدا صلى الله عليه و سلم قد بعث فى بيئة خرافية فقد قال "يا عباد الله تداووا" و الاسلام يقرر أن الأسباب المادية و الكونية لا تتعارض مع ارادة الله بل هى من سننه فى الخلق.
2-فى الخمر شفاء: قال بولس فى رسالته الأولى الى تيموثاوس 23/5 أن القليل من الخمر يعالج الأمراض و هو زعم فاسد علميا و قد حاول البعض الخروج من الخطأ بزعم أن بولس كان يقصد بعض أنواع العصائر أو النبيذ الغير مسكر الا أن هذا يتعارض مع اللفظ اليونانى الصريح "أينوس" الذى يعنى شرابا مخمرا. ان بولس هنا لم يكن ينقل وحيا بل ينقل الثقافة الطبية اليهودية و اليونانية القديمة التى كانت ترى الخمر دواءا و هو ما تأكد بطلانه وفقا للدراسات الحديثة التى تؤكد أن أضرار الخمر تفوق ايجابياته و أن مستوى الاستهلاك المثالى لتقليل الخسائر الصحية هو صفر:
كما جاء نفس المعنى فى تقرير منظمة الصحة العالمية رقم 650 لعام 1980 و مصادر أخرى. فى المقابل حرم الاسلام الخمر و قبحه قبح الميسر و عبادة الأصنام فى المائدة 90 "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" و جاء الحديث النبوى حاسما عندما قال طارق ابن سويد "انهم يتداوون به" فرد عليه النبى صلى الله عليه و سلم قائلا "ان ذلك ليس بشفاء و لكنه داء" (أخرجه ابن ماجة فى كتاب الطب ح/3500) مخالفا بذلك ثقافة العصر و كلام أهل الكتاب الذين يزعمون نقله منهم و موافقا لصحيح العلم
3-الايمان يبطل السم: يخبرنا نص مرقس 16/ 16-18 أن المؤمن لا يؤذيه السم و يمكنه حمل الحية دون خطر و هذا باطل علميا و عمليا و فى المقابل يحتج البعض بحديث "من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم و لا سحر" و الرد على هذا من وجهين: الأول أن الحديث ذكر سببا ماديا واضحا و لم يربط الموضوع بالايمان فقط و الثانى أن هناك من الأبحاث ما يشير الى فائدة التمر فى مواجهة سموم الأفاعى و العقارب مثل:
‘Inhibition of haemolytic activity of snake and scorpion venom by date extract’, biomedical letters, 55, 51-56, 1997
و خلاصة الدراسة أنه : " تم إعطاء أربعة متبرعين من (9 - 11) حبة تمر لكل منهم ، أما عينات الدم فتم أخذها قبل أكل التمر وبعده بحوالي (4 - 5) ساعات ، فكشفت الدراسة أن عينات الدم التي أخذت منهم بعد تناول التمر كانت مقاومة لسم الأفعى بنسبة (83%) ، وأن نسبة امتصاص الهيموجلوبين لسم الأفعى وتأثيره على (3%) من خلايا الدم الحمراء قبل تناول التمر كانت (0.542) ، وبعد تناول التمر أصبحت (0.09)، وقد وجدت الدراسة أو التجربة أن إعطاء (5%) من خلاصة التمر أبطلت حوالي (34%) و (71%) من النشاط السمي للأفعى والعقرب على التوالي ، وأن (20%) من خلاصة التمر أحبطت المفعول بنسب (87%) و (100%) "
المبحث الثالث: هل فى القران أخطاء فى باب الأمراض؟ [منقول من فصول أخرى لمناسبته للسياق]
1-يعترض البعض بحديث القائل "لا عدوى" مدعين أنه خطأ علمى و الجواب: أولا أن الحديث المذكور روى بعدة ألفاظ فيها نفى لأمور أخرى مثل "ولا طيرة" و هى التشاؤم بأمور معينة و "و لا هامة" و هى نوع من الطيور قيل أنها البومة كان العرب يتشاءمون منها و "و لا صفر" لأن العرب كانوا يتشاءمون من شهر صفر بالذات فى الزواج و بالنظر الى مجموع الألفاظ فان النبى صلى الله عليه و سلم بالتأكيد لم يكن ينفى وجود البومو لا وجود شهر صفر و لكنه ينفى التشاؤم بها فهو حديث لنفى التطير و التشاؤم من هذه الأمور لا لنفى وجود هذه الأشياء ذاتها. ثانيا أن النبى صلى الله عليه و سلم قد قال بوضوح فى حديث صحيح "لا يورد ممرض على مصح" و فى رواية "فر من المجذوم فرارك من الأسد" مثبتا بذلك العدوى و لما قال له رجل "يا رسول الله ! الإبل تكون صحيحة مثل الظباء ، فيدخلها الجمل الأجرب فتجرب ؟" فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "فمن أعدى الأول ؟ " يعني أن المرض نزل على الأول بدون عدوى ، بل نزل من عند الله عز وجل ؛ فكذلك إذا انتقل بالعدوى ؛ فقد انتقل بأمر الله. و بجمع هذه النصوص يتضح أن المعنى المقصود من الحديث لا علاقة له بنفى مطلق العدوى بمفهومها العلمى.
2-هل أخطأ القران فى نسبة التفكير الى القلب؟ [ليست مسألة مرضية و لكن متعلقة بوظائف الأعضاء] : يقول المعترض أن القران يشترك مع التوراة فى نسبة الوعى الى القلب بدلا من العقل فى الحج 46 "أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا" و هو خطأ علمى منقول من الحضارات السابقة و الجواب: أولا لم تجمع الحضارات السابقة على ذلك بل اختلفت فيه و قد سبق و فندنا فى الفصل السابق الخاص بعلم الأجنة امكان النقل المزعوم من التراث اليونانى (مع ملاحظة أن بعض رموزه أصلا اختاروا الدماغ لا القلب) أما أسفار اليهود و النصارى فحدث و لا حرج ففى مزمور 7/16 و 9/7 و سفر الرؤيا 23/2 أن مصدر الفكر الكلى!!! ثانيا أشار القران بوضوح الى دور الدماغ فى التفكير و اتخاذ القرارات ف العلق 16 "نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ" عندما وصف رأس أبى جهل بأنها كاذبة فى مقالها خاطئة فى أفعالها اذن فالقران جعل التفكير مشتركا بين القلب و العقل. ثالثا و هو ما يحول هذا الاتهام الى اعجاز هو أن العلم الحديث توصل الى أن القلب ليس مجرد مضخة دم بل يحتوى على 40 ألف خلية عصبية تقوم بوظائف التعلم و الاحساس و التذكر و قد اهتم أندرو أرمور مؤسس علم الأعصاب القلبية بدراسة هذا الأمر و وجد أن القلب يضم شبكة عصبية كتلك التى فى الدماغ تقوم بعامة الوظائف التى يقوم بها الدماغ و وضح هذا فى كتابه:
Neurocardiology: Anatomical and Functional Principles
حتى تسعينات القرن الماضى افترض العلماء أن الدماغ هو الذى يرسل المعلومات الى القلب فى اتجاه واحد أما اليوم فقد اكتشف العلم أن الأمر يسير فى الاتجاهين. ان الجهاز العصبى المعقد فى القلب هو دماغ القلب و هو عبارة عن شبكة معقدة تتألف من عدة أنواع من الخلايا العصبية و النواقل العصبية و خلايا الدعم كتلك الموجودة فى دماغ الرأس و يعمل بشكل مستقل عنه
و هذا رابط لمقال من فريق "الباحثون المسلمون" أوردوا فيه ردودا علمية و مصادر اضافية للمعترضين على علمية هذا الأمر
[3-أما حديث الذباب و أن فيه داء و دواء فالداء بداهة قد يكون ما ينقله من قاذورات و جراثيم بسبب وقوفه كثيرا على البقايا و الفضلات أما الدواء فالأبحاث تشير الى قدرة الحشرات عامة و الذباب خاصة على العمل كمصادر للمضادات الحيوية و التى هى بداهة علاج و دواء
Michael Zasloff "Antimicrobial peptides of multicellular organisms" Nature volume 415, pages389–395 (2002)
"After Battle, These Ants Tend Each Others’ Wounds With Antibiotics" IFLScience (January 3, 2024) https://www.iflscience.com/after-battle-these-ants-tend-each-others-wounds-with-antibiotics-72266
و المصدرين الاخيرين يتحدثان عن اكتشاف كون حشرات أخرى متعددة تصلح كمصادر للمضادات الحيوية (العلاج) اذ تعيش عليها سلالات من البكتيريا التى تنتج المضادات
و أخيرا هناك قاعدة مهمة جدا فى التعامل مع هذه الأمور...ان كون أمر ما لم يكتشفه العلم بعد لا يعنى أنه ليس بموجود فمثلا تخيل شخصا يعيش فى التسعينات قبل هذه الاكتشافات هل معنى هذا أن الذباب لم يكن يحمل المضاد الحيوى بالنسبة له؟ بالطبع لا فهو يحمله من قبل أن يولد هذا الشخص و أباءه و أجداده و لكن العلم فقط لم يكن قد اكتشف هذا الأمر بعد لذلك فان عدم وجود دليل علمى على أمر ما لا يعنى أنه خاطئ فربما يتم اكتشافه بعد عام أو عشرة أو مائة بل و أحيانا يقول العلم شيئا كأنه حقيقة ثم يعود فيصحح نفسه بعد أعوام و يكتشف خطأ ما كان يظنه حقيقة و من أشهر الأمثلة على ذلك الحمض النووى الخردة الذى كان التطوريون يقسمون برأس داروين أنه بلا وظيفة لعقود و فى العشر سنوات الأخيرة بدأت الاكتشافات تتوالى بوظائف أجزاء كثيرة منه]
コメント