ختم اشعياء النبى المعثور عليه فى 2018 فى فلسطين
من المغالطات المنتشرة استخراج ما فى التوراة من أخطاء ثم تعميمها على الخبر التوراتى كله و استخدامها لاسقاط حتى ما لم يثبت خطؤه و بعد نفى الخبر التوراتى بالكلية بهذه المغالطة يتم الانطلاق منه لنفى الخبر القرانى الموافق للتوراة لذا فسيتم التعرض فى هذا الفصل الى مدى علمية و مصداقية ادعاء زيف الخبر التوراتى كله أو جله. أرجو ملاحظة أننا لسنا بصدد نفى وجود أخطاء فى التوراة فهذا ثابت علميا و دينيا و لكننا بصدد اثبات بطلان الادعاء بخطأ كل أو معظم ما جاء فيها و ذكر أمثلة من الأدلة الأركيولوجية ذاتها على صحة بعض أخبارها.
1-المبحث الأول: عدم موضوعية دعوى زيف كل الخبر التوراتى
يزعم البعض أن معظم ما جاء فى التوراة من أخبار مختلق و نتيجة الفعل التامرى للنساخ و هذا مستحيل عمليا لأن بنى اسرائيل أمة دينية و تعتز بهويتها جدا و لها تاريخ يمتد عبر دولتين متزامنتين واحدة شمالية و أخرى جنوبية لذا فحجم المؤامرة المطلوبة لاختلاق تاريخ جديد و نشره بين الناس و اجبارهم على تبنيه غير طبيعى بل و أن يتم نشر الرواية الجديدة بين أهل السبى فى بابل و سكان مملكة يهوذا الجنوبية الذين لا يزالون فى أماكنهم فى فلسطين فان هذا سيناريو غير عملى أو واقعى و هو مجرد محاولة أيديولوجية تفرض على التاريخ عنوة النزعة التقويضية Deconstructionalism التى تتبناها فلسفة ما بعد الحداثة لاسقاط معنى و قيمة أى نص و الزعم بنسبية الحقائق و التشكيك فى كل قول و مذهب (ما عدا هذا المذهب نفسه طبعا) بينما لا يهمل الباحث الحقيقى وثيقة ما بالكامل لمجرد وجود أخطاء فيها بل يحاول استخراج الحقائق من بين الأباطيل لا أن ينكر وجود الحقائق ابتداءا بلغة خطابية لأسباب فلسفية ثم يتهم المعارضين بالأدلجة التى هو غارق فيها حتى النخاع
Review of J. Vam. Seters “Abraham in history and tradition” by E.W. Nicholson, JTS 30 (1979): p.227
William Dever “What did the Biblical writers know and when did they know it?” p.52
ختم "الكاتب باروخ بن نيريا" كاتب النبى ارمياء المذكور فى سفره
ان مجرد وجود فجوة زمنية بين حدوث الأمر و تدوينه ليس حجة كافية للتشكيك فيه ما لم تتوافر أدلة حقيقية على خطأ التدوين اذ تخبرنا الكشوف الأركيولوجية ذاتها عن قدرة الأمم على حفظ تراثها شفهيا ثم تدوينه بعد قرون بشكل يتوافق مع الكشوف الأركيولوجية لزمن حدوثه و من أمثلة ذلك:
1-تدوين أعمال أنيتا ملك كسرى بعد نحو 3 قرون من عصره
“The Patriarchal Age: Myth or History” Biblical Archaeology Review 21.2 (1995): 48-57, 88-94
2-تتبع المصريين القدماء بسهولة لأنساب و حكايات حدثت قبل زمن تدوينها بقرون
G.A. Gaballa “The Memphite Tomb – Chapel of Mose” (1972)
Kenneth A. “On the reliability of the old testament” (2006): 368-369
لقد كان حفظ الأمم لتراثها شفهيا لقرون أمرا معتادا بين الأمم فى تلك العصور و بنى اسرائيل ليسوا استثناءا مما يطعن فى امكان استحداث رواية جديدة و نشرها و اعتمادها فى المجتمع و محو اثار الماضى دون مقاومة (أو مع وجود مقاومة تم محو أثرها هى الأخرى...باختصار المؤامرات لها حدود واقعية)
William G. Dever “Has Archaeology buried the bible?” p.22, 52
المبحث الثانى: تاريخية الخبر السياسى التوراتى
أختام تثبت وجود الكاهن حلقيا و أبنيه (سفر الملوك الثانى/سفر الأيام الأول)
"Archaeological Proof for Hilkiah the High Priest" Watch Jerusalem (July 10,2019)
لنوضح مدى خطأ المصادرة بالكامل على حجية الخبر التاريخى التوراتى و اعتباره اختلاق أثناء فترة السبى لنضرب بعض الأمثلة على توافقه مع المكتشفات الأركيولوجية من فنرة ما قبل السبى
1-اكتشفت مسلة الملك ميشع Mesha Stele فى الأردن عام 1868 و تسمى أحيانا بالصخرة الموابية Moabite Stone و عليها نقوش تروى نجاح ميشع فى هزيمة الاسرائيلين مملكة الملك عمرى فى رواية تتفق فى خطوطها العريضة مع الخبر التوراتى باعتراف بعض المشككين أنفسهم
فراس السواح "الحدث التوراتى و الشرق الأدنى القديم"
2-الملوك التوراتيين أخاب و يهورام و أخزيا جاء ذكرهم فى نقش تل دان الذى يخلد ذكرى انتصارات ارام على بنى اسرائيل كما جاء ذكر أخاب أيضا فى النصب الخاص بتحالف الممالك الذى تم انشاؤه لصد حملات شلمنصر الثالث
Hallvard Hagelia “The Dan Debate: The Tel Dan Inscription in recent research” (2009): p.11
Kenneth A. “Ln the reliability of the old testament”: p.92
Brad Kelle “What’s in a name? NeAssyrian designations for the Northern Kingdom and their implications for Israelite history and biblical interpretation” Journal of Biblical literature (2002): 121(4): 641 – 646
3-الملك ياهو (سفر الملوك الثانى 9-10) جاء ذكره فى المسلة السوداء لشلمنصر الثالث The Black Obelisk of Shalmaneser III فى ذكر أخبار معارك الملك
James Bennet Pritchard ed., “Ancient Near Eastern texts relating to the old testament” (1969) p.281
4-الملك يهواش (سفر الملوك الثانى 11 و 12) (أخبار الأيام الثانى 11/22 و 27/24) جاء ذكره فى نصب فى العراق يؤرخ لحملة عسكرية قام بها الاشوريين على سوريا و فلسطين
John Hayes and Paul Hooker “A new Chronology for the king’s of Israel and Judah” (2007) p.47
ختم جدليا حاكم مملكة يهوذا (ارميا/سفر الملوك الثانى)
DANIEL KIRSCH "Who Was Gedaliah?" My Jewish Learning
5-الملك يربعام الثانى (سفر الملوك الثانى 23/14) وجد اسمه على ختم يعود تاريخه الى القرن الثامن قبل الميلاد مما يلغى احتمال كون الختم ليربعام الأول الذى عاش فى القرن العاشر قبل الميلاد
Hershel Shanks “First Person: Have you seen this seal?” Biblical Archaeological Review 26.1 (2000) : 4
6-الملك منحيم جاء ذكره فى حوليات الملك الأشورى تغلث فلاسر الثالث فى سياق يدعم رواية سفر الملوك من أنه كان يدفع المال للأشوريين لتثبيت حكمه و تكرر الأمر على حجر أثرى فى المتحف البريطانى يسمى أسطوانة تايلور
James Bennet Pritchard ed., “Ancient Near Eastern texts relating to the old testament” (1969) p.283, 287
7-الملكين فقح و هوشع أيضا مذكورين فى حوليات تغلث فلاسر الثالث فى سياق يؤكد رواية سفر الملوك من انقلاب هوشع على فقح ثم اغارة الاشوريين عليهم
Ibid p.284
كما جاء ذكر هوشع أيضا على أحد الأخنام الأثرية
Andre Lemaire “Hebrew and west semitic inscriptions and Pre-Exilic Israel” in John Day “Search of Pre-Exilic Israel” (2005), p.373
8-الملك عزياهو ورد ذكره على ختمين أثريين
Andre Lemaire “Royal Signature: Name of Israel’s last king surfaces in a private collection” Biblical Archaeology Review 21.6 (1995): 48-52
9-الملك يوثام جاء ذكره على ختم عثر عليه فى أيلة (الاسم القديم لعصيون جابر/تل الخليفة فى خليج العقبة) و هو ما يتوافق مع نص سفر الملوك الثانى 22/14 عن موقع المدينة التى بناها
N. Avigad “The Jotham Seal from Elath” Bulletin of the American Schools of Oriental Research, 163: 18-22
10-الملك أحاز جاء ذكره فى الحوليات الملكية الأشورية بما يتوافق مع رواية سفر الملوك الثانى 16/ 6-7 من استعانته بالاشوريين
James Bennet Pritchard ed., “Ancient Near Eastern texts relating to the old testament” (1969) p.282
كما عثر أيضا على أختام تحمل اسمه
Kenneth A. “On the reliability of the old testament” (2006): 19
Lawrence Mykytiuk “Identifying biblical persons in north west semitic inscriptions of 1200-539 B.C.E.” (2004) p.220
11-الملك حزقياهو أيضا وجدت له عدة أختام أحدها يشيرالى كونه ابن أحاز كما جاء فى رواية سفر الملوك الثانى 18 كما ذكر فى حوليات الملك الأشورى سنحاريب الذى ينص السفر على زحفه على مملكة حزقيا
Robin Ngo “King Hezekiah in the bible: Royal Seal of Hezekiah comes to light” Biblical Archaeology (2020)
James Bennet Pritchard ed., “Ancient Near Eastern texts relating to the old testament” (1969) p.288
12-الملك منسى ابن حزقيا (سفر الملوك الثانى 1/12) (أخبار الأيام الثانى 1/33) جاء ذكره فى اثار الملكين الأشوريين أشوربانيبال و أسرحدون
Ibid p.291, 294
13-لقد كشفت الأختام عن أسماء الكثير من الملوك المتفقة مع الرواية التوراتية لتاريخ ما قبل السبى و ما سبق مجرد أمثلة برغم أن القرن الثامن قبل الميلاد شهد بداية تحول تصميم الأختام من حمل اسم الملك بعينه الى حمل كلمة "الملك" نفسها دون اسمه ليكون عمر الختم أطول من فترة حكم كل ملك بعينه و لولا هذا التحول لاكتشفنا أسماءا أكثر
Andre Lemaire “Hebrew and west semitic inscriptions and Pre-Exilic Israel” in John Day “Search of Pre-Exilic Israel” (2005), p.374-376
Tsvi Scheilder “Six Biblical Signatures” Biblical Archaeology Review 17.4 (1991): 26-28, 30-33
Gabriel Barkay “A Bulla of Ishmael, the king’s son” Bulletin of the American Schools of Oriental research, no 290/291 (May - Aug1993): 109-114
Hershel Shanks “Jeremiah’s Scribe and confidant speaks from a hoard of clay bullae” Biblical Archaeology Review 13.5 (1987) : 58-65
ختم جمريا بن شافان المذكوران فى سفر الملوك و ارمياء
"The Scribe Gemariah—Uncovered!" Watch Jerusalem (July 17,2018)
و لا يقتصر الأمر على شخصيات من بنى اسرائيل بل وجدت الكشوف الأركيولوجية أيضا أدلة على وجود شخصيات توراتية من خارج بنى اسرائيل مثل:
1-الفرعون شيشنق المذكور غزوه للمملكة بعد انقسامها فى سفر الملوك الأول 14/ 25-26 و 40/11 تم العثور على نقوش فى الكرنك و فى مجدو فى فلسطين تؤكد وجوده و توثق غاراته على المملكة كما جاء فى الرواية التوراتية
Kenneth A. “Shishak’s Military Campaign in Israel confirmed” Biblical Archaeology review 15.3 (1989): p.32
2-الملك الأشورى سنحاريب و الذى جاءت أخبار غزوه للمملكة فى سفر الملوك 37/19 و 13/18 و اشعياء 36-37 و تم العثور على صخرة حوليات تثبت غزوه لأورشليم
R.F. Youngblood et al., eds “Nelson’s New Illustrated bible dictionary”
3-الملك تغلث فلاسر الثالث و الذى تم ذكر اثاره أكثر من مرة بالأعلى عند توثيق شخصيات بنى اسرائيل التوراتية
4-الملك الأشورى سرجون و المذكور غزوه لأشدود فى اشعياء 1/20 و قد عثر على وثيقة تذكر هذا الغزو
James Bennet Pritchard ed., “Ancient Near Eastern texts relating to the old testament” (1969) p.284
5- الملك البابلى مردوخ بلادان (سفر الملوك الثانى 12/20)(اشعياء 1/39) تم اكتشاف اسمه فى نقش فى قصر فى مدينة الموصل
Samuel Birch “Records of the past: Being English Translations of the Assyrian and Egyptian monuments” (1874) p.14
6-الملك أسرحدون (سفر الملوك الثانى 37/19)(عزرا 2/4)(اشعياء 38/37) وجدت اثار توثق وجوده
A.K. Grayson “Esarhaddon, The Anchor Yale Bible Dictionary” 2/574
7-الملك حزائيل ملك ارام دمشق (سفر الملوك الأول 15/19)(ملوك الثانى 8/8)(عاموس 4/1) جاء ذكره فى النقوش التى توثق المعارك مع شلمنصر الثالث
James Bennet Pritchard ed., “Ancient Near Eastern texts relating to the old testament” (1969) p.280
8-بن هدد بن حزائيل (سفر الملوك الثانى 3/13 و 24/13) مذكور فى نقش/نصب زكور
Edward Lipinski “Studies in Aramaic Inscriptions and Onomastics” Volume 1 p.22
9-الملك ميشع (سفر الملوك الثانى 4/3) سبق ذكره عند الحديث عن مسلة ميشع Mesha Stele
10-الملك رصين(سفر الملوك الثانى 16/ 7-9)(اشعياء 1/7) ورد ذكره فى حوليات تغلث فلاسر الثالث سالفة الذكر
11-الملك بعليس (ارمياء 14/40) عثر على ختم باسمه
Bob Becking “Inscribed Seals as Evidence for Biblical Israel” in Lester Grabbe “Can a history of Israel be writtem?” pp.80-82
المبحث الثالث: دلالات الأركيولوجيا على حجية التوراة
يظهر لنا من الأمثلة السابقة موافقة الكشوف الأركيولوجية لبعض الخبر التوراتى السابق للسبى و بالتالى سقوط دعوى زيف أخبار ما قبل السبى كلها أو معظمها اذ تثبت الاثار أسماء 10 من 14 ملك توراتى للملكة الشمالية و 11 من 15 للجنوبية و الأسماء الناقصة اما لملوك قصرت فترة حكمهم أو عاصروا فترات غياب النشاط الأشورى فى الشام و من بين 20 حاكما و قائدا أجنبيا فى التوراة أثبتت الكشوف الأركيولوجية وجود 17. كل هذا يدعم صدق الخطوط العريضة و الصورة العامة للخبر التاريخى التوراتى قبل السبى أما وجود أخطاء فى التفاصيل فهو يثبت سقوط العصمة عن النص و أصوله البشرية أو دخول التحريف عليه و لكنه لا يسقط حجيته بالكامل كوثيقة تاريخية و لكن غير دقيقة بنسبة 100%
أضف الى ذلك أن كثير من الملوك المذكورين ذكرت التوراة معاصرتهم لأنبياء فلا مبرر لقبول خبر الملك (خاصة ان وافقه دليل أركيولوجى) ثم اسقاط خبر النبى (خاصة فى ظل ما ذكرناه فى الفصول السابقة من معاداة معظم الملوك للأنبياء و بالتالى عدم تخليد ذكراهم و رسالاتهم بل قمعهم و محاربتهم) و ان كان كثير من الملوك على عظمة نفوذهم و تأثيرهم لم نعرف عنهم سوى من عدد قليل من الاثار فما بالنا بمعارضيهم القلة الضعفاء عديمى النفوذ.
Kenneth A. “On the reliability of the old testament” (2006): p.62
Baruch Halpern “Erasing History” Bible Review 11.6 (1995): p.31
ما يدعم هذا التفسير أنه فى حالة نادرة لنبى مقرب من ملك و غير محارب من قبله كحالة النبى اشعياء الذى يذكر الفصل 39 من سفره أنه كان مقربا من الملك حزقيا و يسدى له النصح تم اكتشاف ختم لهذا النبى فى موقع اكتشاف ختم لحزقيا (على بعد 3 أمتار) و هو الختم الذى وضعت صورته فى افتتاح المقال
Eliat Mazar “Is this the prophet Isaiah’s Signature?” Biblical Archaeology Review 44.2 (2018) : 64-73, 92
Gerald Flurry "Seals of Isaiah and King Hezekiah discovered" Armstrong International Cultural Foundation
و أخيرا و ليس اخرا فان ما سبق يتعارض بشدة مع أطروحة عجيبة أخرى غير تلفيق التوراة تاريخ ما قبل السبى ألا و هى أنها جاءت من اليمن/جزيرة العرب
Comments